في الذكرى الثانية للثورة المصرية في 25 كانون الثاني (يناير) 2013، تظاهر آلاف المصريين ضد الرئيس محمد مرسي و «الإخوان المسلمين»، ووقعت صدامات بينهم وبين الشرطة في القاهرة وغيرها من المدن انتهت الى سقوط عشرات القتلى. وتفاقمت الاضطرابات في اليوم التالي وقضى اكثر من 30 شخصاً في اعمال شغب اندلعت اثر اصدار محكمة في بورسعيد حكماً بالإعدام على 21 شخصاً بتهمة الضلوع في اشتباكات أوقعت 72 قتيلاً قبل عام في صفوف مشجعي فريق كرة قدم. وأعلن مرسي حظر التجول طوال شهر في ثلاث مدن مفوضاً الجيش الإمساك بمقاليد الأمور. وغذت تصريحات وزير الدفاع عن انزلاق الدولة المصرية إلى الانهيار وانفراط عقدها، إشاعات عن مشكلات في صفوف القوى المسلحة واحتمال وقوع انشقاقات في صفوفها. ولم تجر الثورة على ما اشتهى الشباب الذين نزلوا إلى ميدان التحرير. فقبل أكثر من عام برز «الإخوان المسلمون» والإسلاميون بعد أعوام طويلة من القمع. وفي حزيران (يونيو) الماضي، بدا أن بريق الإسلاميين بدأ يخبو، فمرشح «الإخوان» فاز في السباق الرئاسي بهامش ضئيل من الاصوات. وسارع مرسي إلى إقرار دستور إسلامي الصبغة إثر استفتاء شارك فيه خمس الناخبين. وأمضى مرسي الأشهر الأخيرة وهو يرسخ قوة حزبه عوض السعي إلى التوصل إلى إجماع يذلل المشكلات المصرية الملحة. فتوقفت عجلة الاقتصاد المصري عن الدوران، وهي تراوح اليوم بين الشلل والانهيار. ويشعر شطر كبير من المصريين البالغ عددهم 83 مليون نسمة بالخوف إزاء هبوط سعر عملتهم، وارتفاع الاسعار، وشح فرص العمل. وأناط الرئيس المصري السلطات التشريعية بمجلس الشورى الذي يرسخ قبضة الإسلاميين في تشريعاته. والمحاكمة الأخيرة التي أصدرت أحكام الإعدام لم تلتزم معايير الشفافية، في وقت لم يسجن أي من رجال الشرطة المسؤولين عن إزهاق حياة 800 شخص في قمعها التظاهرات المناوئة لديكتاتورية مبارك. والانتخابات (النيابية) أُرجئت إلى نيسان (ابريل) المقبل. لكن تصدع البلاد قد يتفاقم قبل موعدها جراء توسل مرسي أساليب النظام الآفل القمعية. وتعاظم وتيرة أعمال العنف قد يشعل فتيل ثورة جديدة في مصر، أو قد يحمل الجيش، من طريق التواطؤ مع مرسي او إثر تجاوزه، على فرض حكم ديكتاتوري. لكن مصير مصر ليس قاتماً بَعد، ولم ينقطع حبل الأمل. فالجيش الذي لم يخسر شطراً كبيراً من امتيازاته وسلطاته لا يرغب في الإمساك بالسلطة من جديد. وتقتضي مصلحة مرسي أن يحكم من غير توسل العنف. فعوض المسارعة إلى إحكام القبضة على السلطة وتصوير خصومه على أنهم عملاء القوى الأجنبية، حري ب «الإخوان» إدراك أن المشروعية في السياسة الديموقراطية لا تقصر على صناديق الاقتراع، بل ُتحصّل كذلك من الحكم المتسامح غير الإقصائي. والرئيس المصري مدعو إلى تمثيل المصريين كلهم على اختلاف آرائهم وموقفهم من دور الإسلام في الحياة العامة. والمخاطر تقتضي دعوته إلى إعادة النظر في موضوعات الخلاف في الدستور، وتغيير قانون الانتخابات. وحري به المبادرة إلى إصلاح جهاز الشرطة والقضاء وتعيين مدع عام مستقل. ومرسي مدعو إلى إقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي التزم منح مصر 4.8 بليون دولار لقاء إرساء إصلاحات اقتصادية، منها رفع الدعم عن الوقود. وترمي الإصلاحات الى جذب الرساميل الأجنبية. وفرصة مرسي الوحيدة لرفع شعبية الإسلاميين هي إحياء الاقتصاد الكاسد. ولا شك في أن العالم يسعه دعوة الرئيس المصري إلى سلوك السبيل الأمثل، على رغم أن المساعدات العسكرية الأميركية ليست ورقة ضغط يعتد بها في إلزام مصر مبادئ الديموقراطية. فالغاية المرجوة منها هي التزام القاهرة اتفاق السلام مع إسرائيل. ودالة الأجانب على السياسة المصرية ضعيفة. فخلاصة عِبر العقد الماضي هي أن الديموقراطية لا تُفرض على غير الراغبين فيها. ووحدهم المصريون يملكون حسم القرار بين مواصلة الانزلاق إلى العنف والفوضى أو تحقيق آمال العامين الماضيين. ولا يستخف بمسؤولية مرسي عن مآل الأمور. * هيئة تحرير المجلة، عن «ايكونوميست» البريطانية، 2/2/2013، اعداد منال نحاس