منذ شهرين، يفقد «الإخوان المسلمون» شيئاً فشيئاً صدقيتهم في أوساط المصريين. وتُرفع في القاهرة والإسكندرية شعارات معادية للرئيس محمد مرسي تطالبه بالرحيل وتطعن في قدرته على الحكم. وفي الأسبوعين الأخيرين، سادت أجواء تؤشر إلى ثورة وشيكة. وخيبة شطر كبير من الشعب كبيرة، جراء إخلال مرسي بوعوده وسوء الحال الاقتصادية. وأرى أن نفوذ «الإخوان» يتبدد، وإذا صحّت ملاحظتي، ينذر انحسار نفوذ الحزب الحاكم بتذرُّر الرأي العام المصري وانقسامه، على رغم أنه كان الى وقت قريب مؤيداً لأفكار الإسلاميين. ومرد لفظ المصريين «الإخوان» إلى محاصرة القضاة وإقصاء عدد منهم، وتنظيم «الإخوان» استفتاء على مشروع دستور يفتقر الإجماع عليه. ولكن ليست الجماعة وراء انهيار الاقتصاد وتراجع السياحة. وما لا يخفى في مصر هو فتور المشاعر المؤيدة لجماعة «الإخوان»، فثمة حادثتان كان لهما وقع الصدمة على المصريين قبل مبادرة مرسي إلى التصعيد من طريق عرض مشروع الدستور على الاستفتاء: اصطدام حافلة مدرسية بقطار منتصف الشهر الماضي جنوبالقاهرة، قضى فيه 50 طفلاً ولم يشارك مرسي في مراسم العزاء، بل اكتفى بإقالة موظفين في قطاع النقل. لكن أنصاره تقاطروا إلى جنازة شاب إسلامي أصيب في اصطدامات وفارق الحياة. غالباً ما أستقلُّ القطار بين القاهرة والإسكندرية، وألاحظ أن الناس يعصى عليهم فهم ما يجري. ولا يجافي الواقع تحذير البرادعي، الحائز نوبل للسلام، وعمرو موسى وزير الخارجية السابق، من أخطار اندلاع حرب أهلية. فالاستفتاء على الدستور منعطف ومدعاة قلق، ولا يبدو أن أياً من المعسكرين -المؤيد لمرسي والمناوئ له- سيتراجع. فالقوى الحداثوية ترغب في أن تسلك مصر طريق القرن الواحد والعشرين ورفع القيود عن الحريات. وثمة شد حبال بين هذه القوى و «الإخوان» الذين لا يُستخَف بوزنهم، إذ يستميلون المناصرين في أنحاء البلاد. ومصر اليوم مزدوجة الوجه، كأنها تحتضن بلدين أو مِصرَيْن تتواجهان في الاستفتاء. ولا أرى أن ثمة أملاً بنقض مشروع الدستور في الاستفتاء، فنفوذ «الإخوان» كبير في اللجان المنظمة له، ويُتوقع التلاعب بالنتائج. ويعبِّد الدستور «الإخواني» الطريق أمام إمساك الجماعة بمقاليد السلطة كلها وإحكام الطوق على مؤسسات الدولة. مصر منقسمة الى مصرين، وغلبة كفة الدستور «الإخواني» يُغرقها في عصر ظلامي، والقيود بدأت تضيق على حريات المعارضة، فميليشيات «الإخوان» تتصدى للمتظاهرين المناوئين لمرسي، وموقف الجيش غامض، ويصعب توقع رده على الدستور الجديد، و «الإخوان» سعوا في تقويض المؤسسة العسكرية إثر الانتخابات الرئاسية لحملها على الصدوع بسلطتهم. ولطالما تحفظت عن بلوغ «الإخوان» السلطة. وأرى أن دعم الولاياتالمتحدة وصولهم إلى الحكم، واعتبارهم القوة السياسية الوحيدة المتماسكة البنية والقادرة على استلام دفة الحكم بعد (حسني) مبارك، سيفاقمان انزلاق البلاد إلى اضطرابات رهيبة. وحسبان أن «الإخوان» سيلتزمون مبادئ الديموقراطية مضحكٍ ومبكٍ، فحركتهم استمالت شطراً كبيراً من الجمهور إثر تسترها على أهدافها. وحري بالمراقبين ألا يُغفلوا عقيدة جماعة «الإخوان» ومبادئَها حين يقوّمون نهجها، فهي ترمي إلى إنشاء ديكتاتورية إسلاموية فاشية في مصر ترفع لواء «الشعب يريد الشريعة». ويبدو موقف الولاياتالمتحدة إزاء مسيحيي مصر ملتبساً، ولا يعتد بدور أوروبا في حمايتهم، فيما روسيا تغرّد خارج سرب الغرب، وتبدي القلق إزاء مصيرهم، وتسعى إلى أداء دور ديبلوماسي أكبر. وفي السابق، كانت إدارة مبارك تعرقل وصول المساعدات الخارجية، لكنها في نهاية الأمر «تفرج» عنها، فتصل إلى الحسابات المصرفية التابعة لجمعية «كاريتاس» الخيرية، لكن إدارة مرسي قطعت المساعدات، ولم تعد تسلّمها، والنزاع مع المسيحيين يتعاظم، شأن التوتر. * أستاذ لاهوت، نائب رئيس جمعية «كاريتاس» في مصر، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 5/12/2012، إعداد منال نحاس