بعدما نجحت الفضائيات في تحويل شهر رمضان إلى ساحة منافسة تتبارى فيها المسلسلات، وبعدما استطاعت أن تحرض المنتجين على الدخول في معارك لتسويق أعمالهم والسعي إلى الفوز ببثها في أوقات الذروة، راحت تبتكر أساليب جديدة تتمثل، بصورة خاصة، في ما بات يعرف ب «العرض الحصري» الذي يهدف مبتكروه من خلاله إلى زيادة جرعة التشويق، وجذب المشاهد إلى متابعة هذه المسلسلات الحصرية التي لن يتسنى له متابعتها على أية شاشة أخرى سوى على تلك التي تعلن عن هذا العرض. وإذا كانت الفضائيات التي ترغب في عروض حصرية، تجازف بشرائها بأسعار تفوق بأضعاف أسعار العروض الاعتيادية، فإن هذا السخاء ليس كرماً، أو احتراماً للمشاهد بمقدار ما هو نوع من «الاحتكار الفضائي» الهادف إلى استقطاب أكبر نسبة من المشاهدين، بالتالي استعادة تلك المبالغ، فضلاً عن الأرباح، من جيوب المعلنين. ولم يكتفِ مسؤولو الفضائيات بذلك، فحين شاعت ظاهرة العرض الحصري، ووجد هؤلاء بأنه يكلفهم كثيراً، لجأوا إلى حيلة سهلة تمثلت في تمويل المسلسلات، ومن ثم الإعلان عن العرض الحصري طالما أن فضائيتهم هي التي أنتجت العمل... لا شك في أن العرض الحصري يضعف رواج المسلسل، ويجبر المشاهد على متابعة محطة بعينها إن أراد متابعة مسلسل محدد، كما أن هذا العرض ينعكس سلباً على صنّاع العمل من مخرجين وممثلين وتقنيين، ممن بذلوا جهوداً كي تتجول مسلسلاتهم، بلا قيود، بين «الأقمار». غير أن هذا الحق المعنوي المتمثل في الشهرة والانتشار، والذي يطمح إليه فريق العمل الدرامي، يضيق كثيراً بسبب العرض الحصري، وهو ما أشار إليه مخرج مسلسل «باب الحارة»، الذي يعرض حصرياً على قناة «إم بي سي»، بسام الملا في حوار أجرته معه الفضائية السورية، أخيراً، خصوصاً أن الفضائيات حين تبحث عن الفوز بحق العرض الحصري، فأنها تنطلق من دوافع اقتصادية وتجارية بحتة لا علاقة لها بالجوانب الفنية والجمالية التي ينطوي عليها هذا المسلسل أو ذاك. وإذا كان العرض الحصري قد أصبح تقليداً مألوفاً، فإن الغريب أن يستمر بعض الفضائيات في سياسة التشفير الهادفة، بدورها، إلى جني الأرباح عبر إجبار المشاهد على شراء «الكارت» المخصص لتلك القنوات، بالتالي فإن هذه السياسة تسيء إلى مفهوم التلفزة بصفتها وسيلة إعلامية جماهيرية ينبغي أن تكون متاحة للجميع، وحتى مفردة «فضائية» تحيل إلى معاني الانفتاح والرحابة والشيوع... لكنها تتحول، لدى المشفّرين، إلى مجرد وسيلة تجارية وظيفتها جمع المال فحسب! وفي حين أن واقع هذه الفضائيات يستلزم بحثاً خاصاً، فإن السؤال المطروح: هل بقي شيء أهملته مئات الفضائيات المفتوحة حتى تستمر تلك الفضائيات في تشفير موادها، وتحجب «روائعها» في فضاء رحب وحر؟!