«تظاهرات تحرَّك بالريموت»، بهذا يعلق وجدان (27 سنة) على التظاهرة التي نظمت أخيراً لمناسبة زيارة وفد مجلس الأمن صنعاء ورفعت شعارات تطالب بإسقاط الحصانة عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فمنذ انتخاب الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي والتظاهرات الشبابية تأتي مناسباتية وتنظَّم لأغراض سياسية آنية، ما يثير تهكم البعض وتحسرهم على ما آلت اليه ثورتهم. ويذكر وجدان أنه ليس ضد إسقاط الحصانة عن الرئيس السابق وغيره «لكنني أستهجن تسخير الشباب في المناكفات وتحويلهم إلى ورقة سياسية»، مؤكداً أن جميع الفرقاء يعلمون بأن الحصانة لن تسقط على المدى المنظور، لان الجميع وقّع عليها وضمنها المجتمع الدولي. وبات واضحاً تشظي شباب الثورة وتباعدهم عن إمكان إحداث فعل سياسي حقيقي. تقول جميلة: «الربيع اليمني أصبح ربيع عجائز وليس ربيع شباب كما كان يفترض أن يكون». ووفق الطالبة في جامعة صنعاء، فإن ما فعلته الثورة هو أنها أعادت الروح لعجائز السياسة، في حين تحول الشباب إلى مجرد كومبارس بيد القوى التقليدية تحركهم متى شاءت. ويعيش شبان اليمن حالَ تشتت وجلد للذات في ضوء ما يطلق عليه أكذوبة ثورات هذا البلد الفقير والقبلي، والذي طالما أثقلت كاهله شعارات متعددة الألوان، فهو لا يكاد ينهض من كبوة حتى يقع في أخرى. فلا هو أنجز اشتراكية في الجنوب ولا رأسمالية في الشمال. حتى أكذوبة الوحدة والديموقراطية «فرقعت» بعد 3 سنوات وتحولت حرباً أهلية وفق ما يقول وجدان، مؤكداً أنه لا يرى في تطلعات جنوبيين إلى استعادة الدولة السابقة سوى أكذوبة أخرى يطرقها اليمنيون. ووفق وجدان، فإن «مشكلة الشعب اليمني لا تكمن في وجود دولة واحدة أو دولتين أو حتى عشر دويلات، بل ترجع إلى عجزه عن التحرر من إسار رعويته (من الرعية)، فهذا شعب يحرك بواسطة الريموت كونترول مثلما كان يحرك ويقاد بالعصا». في إشارة إلى حادثة تاريخية تنسب إلى الجد الأكبر لشيخ مشايخ قبيلة حاشد الشمالية، ويذكرها الراحل عبد الله بن حسين الأحمر في مذكراته، مفادها أن جماعة الحل والعقد من علماء الزيدية اجتمعوا لاختيار إمام، فوجدوا أن الإمام الذي يدعمه الشيخ ينقصه شرط من شروط الإمامة، فرفع الشيخ عصاه قائلاً هو ذا الشرط، فاضطر العلماء صاغرين لمبايعة الإمام. والحق أن مفاعيل القوة التقليدية ما انفكت تصوغ واقع اليمن المعاصر، سواء جاءت في صورة قبلية أو عسكرية أو حتى نخبة سياسية حديثة. ولعل في تحول ثورة شباب اليمن إلى قتال كاد يقود إلى احتراب أهلي، ما يفيد بمدى تعقيد الواقع اليمني وديمومة مشكلاته. وبات التذمر والسخرية وسيلة تعبير تجسد احتقانات الواقع. ويصف جازم حزبه اليساري بأنه مجرد «حزب حالم»، معبراً عن تذمره من افتقار الحزب للواقعية التي تفترضها طبيعته المرتكزة إلى المادية التاريخية، لكنه حزب يعيش في الأفكار والشعارات عوض الانطلاق من الواقع الملموس. ويمثل جازم حالة نادرة للشبان الحزبيين القادرين على الاقتراب من حقيقة المشاكل التي تعانيها أحزابهم، فالحاصل أن الكل يعيش في الأحلام وتسكنه الشعارات. وبات البعض يتحدث عن حال عجز جمعية وغياب للتراكم، فالشعب اليمني وفق ماجد «شعب بلا ذاكرة»، مجيباً بذلك على منتقديه في شأن استقالته من اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وهي الاستقالة التي جاءت في نص طويل لا يستطيع أن يقرأه أحد، وفق ما يعلق البعض. بينما يؤكد ماجد أنه كتب نص استقالته للتاريخ ولكي تتطلع عليه الأجيال القادمة، عسى أن يأتي في المستقبل باحثون يقرأون تاريخ هذا البلد، أما الجيل الحالي، فلا ذاكرة له وفق تعبيره. وكان ماجد وزميلته رضية استقالا من اللجنة احتجاجاً على «تحكم أعضاء معدودين بقرارات اللجنة وجعل التمثيل في المؤتمر من اختيار المبعوث الأممي جمال بن عمر». وبدا أن استقالتهما تمثل يقظة أخرى تضاهي يقظة الشاب اليساري جازم في وقت مازال كثيرون يمخرون لجة الأحلام غير المؤسسة على واقع، وهم تبعيون بامتياز. وحتى المنظمات الغربية التي تحاول مساعدة اليمن لإخراجه من أزمته تتهم بأنها لا تستوعب حقيقة الواقع اليمني، فالبرامج التي تنفذها غالباً ما توصف بأنها ديكورية تخاطب فئات مخملية وتهمل الكتل الاجتماعية الصماء التي تشكل عائقاً أمام عملية التحول الديموقراطي. وقال تقرير صدر حديثاً عن مؤسسة بيت الحرية في الولاياتالمتحدة الأميركية، إن اليمن تراجع عشر درجات في مجال احترام الحريات وحقوق الإنسان. ويقيس التقرير مدى توافر نطاق واسع من الحقوق السياسية والحريات المدنية التي يتمتع بها الناس فعلاً، وليس في الوثائق والسياسات المعلنة فقط. واليمن هو الدولة الوحيدة بين دول ثورات الربيع العربي التي مازالت تصنف بغير الحرة. وأفضل إنجاز حققته كان في 1993 بحصولها على 4.5 درجة. لكن، ومنذ 1994، ظلت تصنف في معظم السنوات ضمن البلدان غير الحرة.