أوضح نزار نجل الشاعر الراحل محمد الثبيتي أن نادي جدة الأدبي رفض تسليمه كامل نسخ ديوان «التضاريس»، وعددها حوالى 2000 نسخة، والتي أثار العثور عليها في مخزن النادي منذ العام 1986 جدلاً في أوساط المثقفين، ونشرت «الحياة» جانباً منه في 22 يناير الماضي. وقال نزار ل«الحياة» إن «أدبي جدة» لم يمنحه سوى 100 نسخة، بحجة أنه صدر أمر من الأمير الراحل فيصل بن فهد، الرئيس العام لرعاية الشباب والرياضة في الثمانينات الميلادية، بإعدام الديوان، بحسب ما قال له عضو مجلس إدارة نادي جدة الأدبي عبده قزان، «ولم يتبق إلا ما تراه في المستودع». ولفت الثبيتي إلى أن قزان قال له: «لما لا نطبع لكم الديوان طبعة أخرى؟»، معتبراً أن في كلامه هذا «تناقضاً عجيباً»، إذ كيف يرفض إعطائه 2000 نسخة موجودة في مخزن النادي، وفي الوقت نفسه، يعرض عليه إصدار طبعة جديدة من الديوان. وقال أيضاً إن عضو مجلس إدارة نادي جدة الأدبي طلب منه عدم التصريح للصحافة بتفاصيل المقابلة. وكان ابن الراحل الثبيتي خاطب رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالله السلمي، بعد نشر «الحياة» تحقيقاً حول عثورها على 2000 نسخة من الديوان، مطالباً بها، لكن السلمي اعتذر عن المقابلة لوجوده خارج مدينة جدة، وأحاله إلى عضو مجلس الإدارة عبده قزان، والذي ذكر نزار أنه أحسن استقباله، غير أنه «بدا عليه بعض الارتباك»! وطالب نزار الثبيتي نادي جدة الأدبي بتوزيع النسخ المتبقية، «في شكل سليم لكيلا يحدث ما حدث سابقاً، أو أن يقوموا بتسليمها لي، وسأقوم أنا بتوزيعها على الباحثين والنقاد الذين يطلبون مني باستمرار نسخاً من الديوان. وأشار إلى أنه يفكر «في إعادة طباعة الديوان في إحدى دور النشر، التي ستقوم بتوزيعه، ليتسنى للنقاد والباحثين والقراء اقتناءه». وكان عدد من المثقفين عبروا ل«الحياة» عن انزعاجهم مما حدث للديوان الذي شكل حدثاً استثنائياً، في المشهد الشعري السعودي في الثمانينات الميلادية، وتأثر به غالبية الشعراء، وتسبب في هجوم المحافظين على صاحبه وعلى النادي حينها، الأمر الذي أدى إلى إلغاء حفلة نظمها النادي لتسليم الشاعر الراحل جائزة أفضل ديوان. وتساءل الشاعر والكاتب مسفر الغامدي قائلاً: «لا أدري ما الذي قاد الشاعر والصحافي الشاب (سعد الخشرمي) إلى مقبرة نادي جدة الأدبي، والتي أودعت فيها الكثير من الجثث والمومياءات التي استهلكت الكثير من الجهد والحبر والمال. الأكيد أن نداء شعرياً ما قاده إلى ذلك المكان. هنالك رأى (هوازن) تطل برأسها من على صفحة غلاف التضاريس، مجللة بالبياض، ومتوشحة بالرمال، (تتمرجح) على الشعر صعوداً وصعوداً... هنالك كأنه لقي الحياة والشعر من جديد. انتفض ديوان التضاريس على كفنه، لأنه ليس جثة ميتة، بل هو الحامل لبذرة الحياة على الدوام. حمل الشاعر الشاب نسختين من الديوان الذي ولد قبل ولادته، وطار بهما إلى الفضاء». وقال الدكتور محمد ربيع الغامدي: «أبكي لهذا المصير الفاجع الذي يؤول إليه الجمال، هذا الألق الذي يُسْحق تحت سنابك الإهمال، ثم يدفن بكل برود في قبو مظلم بلا غسل ولا كفن ولا صلاة. أنا متأكد يا سادتي أن هناك من تمنى اقتناء نسخة منه فلم يوفق، متأكد أن صاحبه قد احتاج نسخاً يجامل بها محبيه فلم يظفر بشيء، متأكد أن نسخاً من هذا الديوان الوطني كانت ستزين مكتبات المدارس والجامعات والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة». فيما قال الشاعر محمد زايد الألمعي: «إذا كان هناك من خطأ فاللاحقون يتحملونه، أما الأستاذ أبو مدين فقد أدى ما عليه وخرج عملاقاً في عيون المنصفين الذين ينصبون خيام التكريم لكل متردية ونطيحة، ويتناسون قامة بحجم عبدالفتاح أبومدين، وما أنجزه إبان رئاسته للنادي... وعوداً على بدء، فالثبيتي أكبر حضوراً من 2000 نسخة في قبو النادي». وعبّر القاص فهد الخليوي عن شعوره بالمرارة، «ف2000 نسخة لأهم ديوان في تاريخ الشعر المحلي والعربي تتعرض لهذا العبث، وتظل أتربة عشرات السنين تتراكم على نبض مفرداته داخل «قبو» لناد أدبي، يفترض أن يكون في مستوى المسؤولية والفعل الثقافي الجاد». أما القاص محمد المنقري فاعتبر ما حدث «نتاجاً حتمياً للاستبداد الإداري الذي هيمن على القطاعات الثقافية والفردية التي ينطلق منها ويعود إليها التخطيط الضيق لكل البرامج والفعاليات». ولفت الكاتب عبدالله براك إلى أن ما حصل «أمر في غاية الغرابة». يذكر أنه بعد اكتشاف نسخ ديوان التضاريس، عمد نادي جدة الأدبي إلى تبديل باب مخزنه، بآخر منيع، يشبه تلك التي تضعها بعض المصارف.