وفق علم الفلك الصيني، دخل العالم سنة الثعبان منذ بداية العام 2013، تاركاً خلفه سنة التنين التي تمدّدت على العام 2012. ووفق أقوال الفلك الصيني، تتسم سنة الثعبان بالهدوء والحكمة الجماعية والميل نحو الفلسفة والتأمّل، ما يعني أنها مواتية للدراسة وإعمال الفكر.لا يخبر التقويم الفلكي الصيني شيئاً عن التكنولوجيا الرقمية ومَرَدَتِها وسحرتها، ربما لأنهم افتراضيون أساساً، ما يعني أنهم متفاعلون ودائمو الحركة. وخارج الفلك الصيني، لا يصعب القول بأن هذا الرهط التقني يميل للتفتيش في «سحاب» من نوع خاص، بحثاً عن معلومات ربما التهمها تنين «الضباب» المعلوماتي. ربما ليس من المغالاة القول إن عام 2012 كُرّس للهواتف الذكيّة، وأن السنة الجارية ستمارس غوصاً عميقاً في هذه الأدوات وذكائها المتصاعد. انفجار التطبيقات المحمولة بحسب مؤسسة «غارتنر» Gartner المتخصّصة في دراسات المعلوماتية والإنترنت وأسواقهما، يتوقّع أن تنفِق الشركات أموالاً على تكنولوجيا المعلومات تفوق ما أغدقته عليها في 2012. ومع حلول العام 2015، يتوقّع أن تغدو 80% من الخليويات، هواتف ذكيّة، بالترافق مع حيازة أجهزة الألواح الإلكترونية، على شاكلة «آي باد»، الحصة الأكبر من هذه السوق. ومن المعتقد أن تنافس هذه الأجهزة الذكيّة الحواسيب المحمولة التي يتوقع أن تصبح هي حواسيب المكتب. واستطراداً، يستعر الصراع فعلياً بين نُظُم التشغيل الإلكترونية، ما يلقي بتحديات كبرى في وجه نظام «ويندوز8» الذي تصنعه مايكروسوفت العملاقة. وبديهي ملاحظة استمرار التنامي الانفجاري لصناعة التطبيقات المخصّصة للأجهزة المحمولة بأنواعها كافة، ولربما ترافق هذا مع توسّع كبير في استعمال تقنية «أتش تي أم آل 5» HTML5 ، في الأعمال المتصلة بالإنترنت. والأرجح أن تشهد السنة الجارية زيادة في تخزين المحتوى الخاص المُكوّن من البيانات الشخصيه، باستعمال تقنية «حوسبة السحاب» Cloud computing، ما يعني تراكم البيانات والمعلومات المتعلقة بالحياة اليومية في «سحاب» الانترنت بدلاً من تجمّعه في أجهزة الكومبيوتر الشخصية. ويترافق هذا مع زيادة التشابك بين الأجهزة المتّصلة بشبكة الإنترنت، ما يفرض ضرورة تطوير سبل الإدارة الآلية المؤتمتة للمعلومات. كما يتنامى الميل لصنع تطبيقات ذات طابع مهني احترافي، تصلح للأجهزة المحمولة كافة، ما يولّد تغيّرات عميقة في طبيعة الأعمال وطرق إنجازها ونسيج علاقاتها، فتتأثّر المؤسسات وأنساقها الإدارية بقوة مع بروز قوي لدور ممتهني الأعمال المعلوماتية، الذين تصبح أشغالهم أكثر مرونة. «إنترنت الأشياء» كذلك يتوقّع بعض الاختصاصيين زيادة الاتجاه إلى «إنترنت الأشياء» Internet of Things، بمعنى أن تصبح الأدوات المستعملة في الحياة اليومية مرتبطة بالإنترنت. والأرجح ألا يستمر استعمال مصطلح «موبايل» للإشارة الى الخليوي، بل ربما استُعمِل في تسمية كثير من الأدوات المنزلية. ويتوقع أن يتنامى الميل إلى استعمال تقنية «الاتصالات في الحقل القريب» Near Field Computing (اختصاراً «آن آف سي» NFC)، بمعنى الاتصال مباشرة بين الأجهزة التي توجد ضمن مدى مكاني معيّن، فلا تمرّ عبر الشبكات العامة للخليوي. ويعتبر هذا الأمر ثورة في الاتصالات، التي ربما تبنّت مزيجاً «هجيناً» (Hybrid) من التقنيات التي تتيح الاتصال المباشر بين الأجهزة الرقمية، على غرار ال «بلوتوث» وال «واي فاي». وفي إطار التهجين نفسه، يبرز نوع من التمازج بين هذه التقنيات المكانية من جهة، والإنترنت و «سحاب» المعلومات فيها من الجهة الأخرى. ويتوقع أن تتجه البلدان المتطورة نحو تثبيت تقنيات «الجيل الرابع من شبكات الخليوي» (اختصاراً «4 جي» 4G)، مع الارتقاء بها كي تصبح بمثل سرعة الاتصال السريع مع الإنترنت عبر تقنية «إي دي أس آل» ADSL. وربما شهد 2013 بداية «الرقمنة الشاملة» التي تشمل الأشخاص من الشرائح الاجتماعية كافة، ما يهيئ المناخ للوصول إلى مرحلة النضج ودخول «العصر الذهبي» للرقمنة. واختتم العام المنصرم على وجود قرابة 150 مليون هاتف ذكي عالمياً، مع ملاحظة حلول الهواتف الذكية التي صنعتها شركة «سامسونغ» في المرتبة الأولى من مبيعات هذه الفئة، تليها هواتف «آبل». ربما يسهل تصوّر ظهور أي نوع من التطبيقات الرقمية، لأن الجانب التقني لم يعد يشكل عائقاً، كما ينطبق وصف مماثل على سهولة تدفّق المعلومات. ومن المحتمل ان تكون 2013 سنة النمو الانفجاري للتطبيقات المتّصلة بالتشغيل المؤتمت للأدوات المنزلية والمراقبة بالفيديو. وينطبق هذا الوصف حاضراً على تطبيقات مستخدمة فعلياً، مثل «كي واتش» Kiwatch و «دروب كام» Dropcam للمراقبة من بُعد عبر كاميرا الفيديو في الهاتف الذكيّ. ويندرج في السياق عينه التطوّر الحثيث في تطبيق «خرائط غوغل» Google Maps الذي يدخل في صميم الحياة اليومية والمهنية والشخصية، ما يجعله وسيلة أساسية في أنجاز الأعمال أيضاً. البيانات الشخصية مناجم ذهب إذاً، من المُرَجّح أن تغدو شبكة الانترنت أكثر افتراضية، على غرار ما حدث مع خوادم الانترنت «سيرفرز» Servers ووحدات التخزين ومحطات العمل. في الواقع، تهدف التقنيّات الجديدة إلى توفير بنية تحتية لهذه الشبكة الافتراضية بهدف خلق ديناميات لتسريع نشر التطبيقات، إضافة إلى توفير برمجيات مفتوحة المصدر «أوبن سورس» Open source، والتوجّه نحو إيلاء مزيد من الاهتمام بمسائل أمن الشبكات الرقمية، خصوصاً البيئات الافتراضية في «السحاب» المعلوماتي. اما البيانات المفتوحة النفاذ/ الدخول «أوبن أكسِس» Open access، فالأرجح أن تشكّل منجماً ذهبياً للمعلومات، ما يمثّل مغنماً كبيراً للسلطات المحليّة في المقام الأول، ثم المؤسسات العامة، عبر جعلها متاحة ومجانية أيضاً. وتالياً، يمكن عندئذ أن تستخدم هذه البيانات من قبل الشركات التي ربما حوّلتها بسرعة إلى موارد للربح الوفير، عبر استنباط تطبيقات وخدمات تتلاءم مع هذه المعلومات الثرية، كالتعريف عن الأماكن الجغرافيه لمحطات السكك الحديدية والباصات والمترو وغيرها، أو بواسطة تطوير تقنيات تساعد على إدارة مواقف السيارات كما تُسهّل عملية البحث عن مكان لوقوفها أصلاً! بالنسبة إلى البيانات المتراكمة في «السُّحُب» والبيانات المفتوحة المصدر، لا بد من خلق بيئات آمنة للوصول اليها، مع تجنّب المساس بحجم التطبيقات وجودتها الحقيقيه، والمقصود هو أن لا يضيع جزء من المعلومات عن طريق الإرسال باستخدام تقنيات «ضغط» المعلومات. لا مناص من الإشارة أيضاً إلى وجود نُظُم لأمن المعلومات، تعمل على تحذير الشركات التي تستعملها، كما تقدّم المشورة لها بصدد التحقّق من جودة الأجهزة التي تستعملها الشركات في الاتصال بالانترنت. بالنسبة الى البيانات الضخمة، الأرجح أن يجري اللجوء إلى التفتيش عن وسائل لتوفير المعلومات في الزمن الجاري واقعياً، ما يساعد مراكز البحوث في تلقي البيانات الضخمة وتبادلها بسرعة. ويرجح أن يترافق هذا الأمر مع تطوّر كبير في تقنيات الذاكرة الرقمية، ما يمكن من مُعالجة متواقتة لكميّات كبيرة من البيانات. واستطراداً، يتطلّب هذا الأمر استعمالاً متواقتاً لمجموعة أجهزة متخصّصة في المُعالجة المعلومات على التوازي «ميلتي باراليل بروسيسرز»multi parallel processors، ما يعطي أجوبة بسرعة تفوق تلك التي تعمل بها النظُم المستعملة راهناً. واستطراداً، تعمل هذه الأجهزة عينها على تخزين المعلومات التي تُدخَل إليها، إضافة إلى تسجيل المعلومات المتعلقة بالمعاملات وغيرها من أنواع المحتوى. ويفترض أن تُحدّث هذه المعلومات باستمرار، بطرق تجعلها جاهزة لإعادة الاستخدام والتحليل من قِبَل نُظُم أخرى. في هذا المجال، تعمل شركة «آي بي أم» IBM العالمية على تطوير تقنيات المُعالجة المتوازية في الزمن الجاري فعلياً، عن طريق التعامل مع تدفّق المعلومات المتوازية. واستطراداً، هناك دور كبير لمسألة تطوير محركات البحث عن المعلومات، كي تصل إلى مرحلة من الذكاء يعطيها القدرة على تحليل مضمون المعلومات ودلالتها، وخلال الوقت الجاري فعلياً أيضاً! وربما استُكمِلَت هذه الصورة بالإشارة إلى التطوّر المتوقّع في صناع مُعالجات الرسوم «غرافيك بروسيسرز» Graphic Processor Unit، ما يسرّع في إنجاز ثورة حقيقية في الطباعة والتصوير الفوتوغرافي. * اختصاصي لبناني في المعلوماتية