أحدث الهاتف الذكي «آي فون 5» ضجة كبرى غداة وصوله الى الأسواق العالمية. ويتمتع هذا الخليوي بمجموعة من المزايا التقنية التي يبدو أنها تلاقي ذائقة جمهور واسع، خصوصاً الموالين لهواتف «آي فون». ويلفت أن شركة «آبل» أرفقت هاتفها الجديد بحملة محورها شعارٌ «أخف، أرفع، أطول، ويدوم أكثر». ربما تذكر الكلمات بشعار الأولمبياد، لكنها تختصر مجموعة من المزايا التي تميّز «آي فون». وقفة أمام الشاشة جاءت شاشة «آي فون 5» أطول بمقدار 1.3 سنتيمتر عن سابقه «آي فون 4». ويعطي طول الشاشة فرصة لمشاهدة أوضح وأكثر تفاعلاً أثناء المحادثات التي تستخدم الكاميرا، كما يكون الحال عند استعمال تطبيقات مثل «واتس آب» What's Up و «تانغو» Tango، ولدى مشاهدة أشرطة الفيديو سواء الشخصية أو تلك الموجودة في مواقع مثل «يوتيوب» و «ماي سبايس». ولكن، هناك شيء آخر في أمر هذه الشاشة. إذ تبدو محاولة من «آي فون» للتأقلم مع الانتشار القوي للكتاب الإلكتروني وأجهزته. وتتيح الشاشة الأكثر طولاً فرصة أفضل لقراءة نصوص الكتب الإلكترونية المتوافرة في مخزن «آبل أبس». وفي المقابل، لم تتمكن «آبل» لحد الآن من تجاوز خلافاتها مع شركة «أدوبي» التي تصنع الملفات الرقمية من نوع «بي دي أف» pdf، ما يعني استمرار تعذّر قراءة الكتب الإلكترونية المسكوبة في ملفات «بي دي أف»، على «آي فون 5». ويزيد في حدّة هذه المشكلة أن معظم الكتب الالكترونية المنتشرة على الانترنت تأتي في صيغة «بي دي أف»، والنتيجة وضع متناقض يتيح قراءة الكتب الإلكترونية بصورة أفضل، لكنه يحصر القارئ بما يتوافر من كتب في مخزن «آبل أبس»، ويستمر في عزله عن الجزء الأكبر من الكتب الإلكترونية لأنها تتوافر بصيغة «بي دي أف»! وعلى رغم هذا، لا تبدو هذه الخطوة عبثية. إذ شهدت الآونة الأخيرة محاولة من الشركات التي تعمل في مجال الكتب الإلكترونية لاقتحام عالم الإتصالات المتطوّرة، عبر تقريب مزايا أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية من مواصفات أجهزة الاتصالات، خصوصاً الهواتف الذكيّة. ولعل المحاولة الأبرز في هذا المجال هو ما فعلته شركة «أمازون» Amazon بالنسبة الى جهاز قراءة الكتب الإلكترونية «كيندل» Kindle. ففي السنة الماضية، أُدخِلَتْ تعديلات أساسية على «كيندل»، فظهر جهاز «كيندل فاير» Kindle Fire، الذي يمزج بين مواصفات قارئ الكُتُب الإلكترونية وأجهزة الاتصالات المتطوّرة. وفي العام الجاري، استبقت «أمازون» نزول «آي فون 5» الى الأسواق عبر إطلاق مجموعة من أجهزة «كيندل». ويتمتع أحد هذه الأجهزة بشاشة بقياس 22.25 سنتيمتر، ما يجعلها جديرة بمنافسة أجهزة «آبل» من نوع «آي باد»، وعدم الاكتفاء بمنافسة «آي فون»! وتتميّز أجهزة «كيندل» برخص ثمنها بالمقارنة مع «آي فون» و «آي باد»، ما يعطيها ميزة تنافسية اخرى. ولعل أقرب أجهزة «أمازون» في منافسة «آي فون 5» هما جهازان من فئة «كيندل فاير آتش دي» Kindle Fire HD . ويتمتع أحدهما بشاشة طولها 17.5 سنتيمتر مصنوعة من زجاج مقوىً يعمل باللمس، إضافة الى هوائيين للإتصال بشبكات ال «واي فاي». ويبلغ سعره 250 دولاراً، مع ذاكرة 32 غيغابايت. ويملك الجهاز الآخر له شاشة بقياس يفوق 22 سنتيمتراً. ويقدر على التعامل مع شبكات الخليوي من الجيل الرابع، تسمى تقنياً «4 جي آل تي إي» 4G LTE، ما يزيد من قوة منافسته مع «آي باد». (أنظر الغرافيك المتضمّن في المقال). الرشاقة المُضنية يعرف متابعو التقنيات الرقمية جيّداً أن رشاقة الأجهزة تمثّل هاجساً ثابتاً لدى صُنّاع الأجهزة المتّصلة بهذه التقنيّات. لا يتسع المجال لنقاش هذه المسألة المهمة. وتطول قائمة نماذجها، التي تشمل الكومبيوتر المحمول «لاب توب»، والحاسوب المحمول باليد، وأجهزة اللوح الذكي «سمارت تابلت»، وأجهزة «أم بي 3» و «أم بي 4»، والخليوي بأنواعه كافة، إضافة الى شاشات التلفزة الحديثة وغيرها. وعلى غرار عارضات الأزياء وعارضيه، تبدو الرشاقة أمراً مضنياً في صناعة ال «هاي تيك» أيضاً. والأرجح ان صُنّاع «آي فون 5» عانوا كثيراً، كي يخفضوا وزن هذا الجهاز بمقدار 18في المئة عن سابقه «آي فون 4». ومن الواضح أنهم استبدلوا أشياء كثيرة بما هو أخف وزناً منها. إذ استبدلوا وحدة المعالجة المركزية للمعلومات، وهي الرقاقة الرئيسية لتشغيل الجهاز، بأخرى أصغر منها ب22 في المئة، ولكنها أسرع بمرتين وتستهلك كمية أقل من الطاقة. وحلّت وصلة خفيفة من نوع «لايتنغ» Lighting في قاعدة الشحن، بدل الوصلة السابقة في «آي فون 4» التي تتضمن 30 دبّوساً. واستُعمِل الألمونيوم الخفيف الصلب في الهيكل والغطاء، مع تقليص سماكة الجهاز إلى 7.6 ملليمتر، ما أعطاه مظهراً فائق الرشاقة. وبات عرض الجهاز 5.86 سنتيمتر. وعلى رغم أناقة الشاشة وسطوعها بقوة 1136X 640 بيكسل، ما يؤهلها لعرض أفضل للصور، إلا أنها افتقتدت الى خرائط «غوغل» الفائقة الدقة، التي حلّت مكانها خرائط مخزن «آبل». وطاولت يد الترشيق بطاقة الاتصالات. إذ يعمل «آي فون 5» نوعاً جديداً من بطاقات الخليوي هي «نانو- سيم» Nano-SIM، التي تقلّ عن حجم البطاقات العادية بمقدار الثلث. في مجال القوة، يستعمل «آي فون5» بطارية تدوم لمدة 25 ساعة في وضع الانتظار، لكنها تعمل 8 ساعات عند الاتصال بشبكات الخليوي من نوع «3 جي»، وهو أمر ضروري للإتصال بالإنترنت والحصول على التطبيقات وتشغيلها، وكذلك تشغيل محرك البحث «سيري» siri الذي انتقل من «آي فون 4» الى «آي فون 5». أقوى من دولة على رغم مأخذ البعض على «آي فون 5»، إلا أنه حقّق نجاحاً ضخماً في الأسواق. يكفي القول إن «آبل» تحاول الوصول برقم مبيعات هذا الجهاز الى ربع مليار جهاز من هذا النوع، ما يتوقع أن يضيف حفنة من بلايين الدولارات الى الخزينة الأميركية. وثمة من يقدّر بأن مبيع الجهاز المفرد من «آي فون» يضيف الى الخزينة الأميركية مئات الدولارات التي تأتي من المبيع المباشر، ومن الخدمات التي يستعملها الجمهور، والأدوات المساعدة، وشراء البرامج والتطبيقات وغيرها. وتقدّم شركة «آبل» 0.5 في المئة من الناتج القومي الأميركي الخام، كما تمتلك سيولة نقدية تقدر بقرابة 62 بليون دولار، وهو رقم يعزّ على ثلثي الدول. ومع وصول قيمتها في السوق الى قرابة نصف تريليون دولار، باتت «آبل» الأضخم في تاريخ الشركات قاطبة. وتأتي عائدات هذه الشركة من هواتف «آي فون» (بنسبة 60 في المئة من هذه العائدات)، وأجهزة اللوح الذكي «آي باد» (10 في المئة)، فيما تقدّم أجهزة الموسيقى من نوع «آي بود» iPod قرابة 30 في المئة من العائدات. في المقابل، ما زالت المنازعات القضائية غير محسومة بين «آبل» و «سامسونغ» التي تصنع كثيراً من مُكوّنات الأجهزة المُنتَجَة من قِبَل «آبل». وكسبت «آبل» قضية كبرى ضد «سامسونغ» في الولاياتالمتحدة، فغرّمتها ما يزيد على بليون دولار لقاء براءات ابتكار قالت «آبل» أن «سامسونغ» تستعملها من دون وجه حقّ. في المقابل، تتابع «سامسونغ» دعوى أمام القضاء الياباني، بصدد استخدام «آبل» لمجموعة من مبتكرات «سامسونغ» من دون وجه حق أيضاً! ترافق إطلاق «آي فون5» مع ارتفاع جيّد في قيمة سهم «آبل»، لكنه بقي أقل من الارتفاع الذي تحقّق مع انطلاقة «آي فون 4»، حين ارتفع سهم «آبل» بسرعة بنسبة 12 في المئة. ماذا عن معاناة عمال مصانع «آبل» في الصين، الذين تفجّرت فضيحة كبرى بصدد الظروف غير الإنسانية التي يعملون في ظلها (في بلد يفترض أنه محكوم بحزب ديكتاتورية الطبقة العاملة)، وهي استدرجت تعاطفاً من عمال أوروبا، خصوصاً فرنسا، فنظّموا تظاهرات احتجاج ضد «آبل» ترافقت مع انطلاقة «آي فون 5»؟ يحتاج هذا الأمر الى حديث منفصل. [email protected]