قرر شبان وفتيات فلسطينيات إطلاق اسم «باب الشمس» على قرية من الخيام، أرسوا دعائمها في المنطقة المعروفة باسم «اي 1»، ما بين مدن القدس وأريحا ورام الله، وتنوي سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضمها إلى مستوطنة «معاليه أدوميم»، ومن ثم إلى ما يصطلح عليه إسرائيلياً ب»حدود القدس الكبرى»، بهدف إسكان مليون مستوطن إضافي. ومن شأن تلك الخطة ان تثقل الميزان الديموغرافي لمصلحة اليهود في مقابل الفلسطينيين، في القدس العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية المنتظرة على أرض الواقع، بعد الاعتراف بها في أروقة الأممالمتحدة دولة غير عضو. وعلى وقع هتافات «فليسقط غصن الزيتون ولتحيا البندقية»، أقام قرابة مئتي شاب وفتاة، البلدة المستوحى اسمها من رواية اللبناني إلياس خوري، وحوّلها المخرج المصري يسري نصر الله إلى فيلم في جزءين، بينما كانت بنسختها الشبابية الفلسطينية على الأرض، بمثابة كابوس يقض ولا يزال مضاجع سلطات الاحتلال وقواتها. وعلى رغم إزالتها وسكانها من المكان القريب من قرية الزعيّم، إلا أن أشباح قاطنيها المسالمين تطارد قوات الاحتلال، فهؤلاء عادوا أكثر من مرة إلى المكان الذي انتزعوا منه مراراً، وظهروا في أماكن أخرى، وتحت مسميات مشابهة مثل «باب الكرامة»، و»باب القمر»، في طريقة جديدة للمقاومة الشعبية للاحتلال، وتكريس السيادة، وكف يد المحتل على الأرض. جمعية «أسود الصحراء» الشبابية الفلسطينية وفرت للراغبين في زيارة المنطقة والعسكرة فيها مع سكانها، سيارات رباعية الدفع، بخاصة مع إغلاق قوات الاحتلال غالبية الطرق المؤيدة إلى القرية الوليدة، باستثناء بعض الممرات الترابية الوعرة، التي لا يمكن لغير رباعيات الدفع عبورها، وبصعوبة بالغة. وقال عبدالقادر مرزوق، أحد قادة السيارات الرباعية من مجموعة «أسود الصحراء»: بعد إعلان قوات الاحتلال «باب الشمس» منطقة عسكرية مغلقة، ومنع أحد من دخولها، لم يكن أمامنا إلا المغامرة، بالاستعانة بسيارات الدفع الرباعي، عبر طرق وعرة وخطيرة في آن، وعلى مقربة من مستوطنة «معاليه أدوميم»، بهدف نقل المواد الغذائية والأغطية التي قد يحتاجها الناشطون في يومياتهم الصعبة في العراء». ويضيف عبدالقادر: «كذلك قمنا بنقل بعض الإعلاميين ممن منعتهم قوات الاحتلال من الدخول لتغطية الأحداث»، لافتاً إلى أن «أسود الصحراء» يقومون بمهمات كهذه في مناطق عدة مهددة بالاستيطان وجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية. ومن أبرز حكايات «باب الشمس»، حكاية تلك الشابة المقدسية التي تسلقت عموداً كهربائياً ومنه إلى فوق جدار الفصل العنصري، واستعانت بشبان من قرية الزعيّم، لتزويدها بسلم طويل، هبطت بواسطته على أرض القرية، وانطلقت منها مشياً على الأقدام لتنضم إلى سكان القرية الشبابية الأسطورية. كما كان للعرس الوهمي الذي نفذه عبدالله أبو رحمة، الناشط ضد الاستيطان، ومتضامنة أجنبية، الدور الأبرز في العودة مجدداً إلى «باب الشمس»، ولو لساعات، بعدما انطلت الحيلة على جنود الاحتلال الذين سرعان ما وصلتهم الأوامر بتطويق القرية مرة أخرى، وانتزاع سكانها وخيامها من الأرض الفلسطينية التي تزعم إسرائيل السيطرة عليها. الناشطة الشبابية لمى نزيه التي عبّرت عن فرحتها بنجاح «باب الشمس» كفكرة شبابية تجسدت على أرض الواقع، عبّرت أيضاً عن حزنها باقتلاع خيام القرية «الحلم» وبوحشية مفرطة، واعتقال العديد من سكانها من قبل قوات الاحتلال. وقالت: «فرحنا بتأسيس «باب الشمس»، وحزنا على مداهمتها، ثم فرحنا بتمكننا من العودة، فحزنا على المداهمة الثانية واعتقال العشرات من سكانها بتهمة الدخول إلى منطقة عسكرية مغلقة والاعتداء على شرطة الاحتلال، وفرحنا عند إطلاق سراحهم، ثم حزنا مجدداً عندما قام الاحتلال بهدم القرية». وبين دمعة وابتسامة تتابع الشابة: «مع انتزاع وتدمير كل خيمة كنا نشعر أنهم يقتلعون شيئاً من قلوبنا، لكن هذا لن يثبّط عزيمتنا». واضافت نزيه: «باب الشمس» فكرة شبابية إبداعية خرجت عن نطاق المألوف في إطار المقاومة الشعبية. هو نهج جديد تحلق الجميع حوله، وبات رمزاً وملهماً لتجارب مشابهة في مناطق أخرى تعاني من خطر المصادرة لصالح الاستيطان والجدار، وهذا أمر يفرحنا. «باب الشمس» تفتح أبواباً أخرى شبيهة تقض مضاجع الاحتلال». وشددت نزيه على أن المشاركين هم من كل فلسطين التاريخية: من حيفا، وعكا، ويافا، والطيبة، وغيرها من المدن المحتلة في العام 1948، وكذلك من القدس، ومختلف محافظات الضفة الغربيةكرام الله، ونابلس، وجنين، وطولكرم، وبيت لحم، وغيرها. واوضحت: «تجمعنا قرابة 350 شاباً وشابة، ولولا الأحوال الجوية الصعبة لربما تضاعف العدد. تدربنا على بناء الخيام، التي كان يجب أن تبنى خلال ساعة، وفي وقت محدد، وتمت الأمور بسرية تامة فاجأت المحتل». وحول فكرة العرس الوهمي، قالت نزيه: «كانت طقوس العرس فلسطينية بامتياز، وجهزنا سيارة مميزة، وعروسين وهميين، وسيارات تبدو وكأنها «الفاردة» (موكب العروسين)، وذلك لدخول قرية الزعيّم ومنها إلى حيث «باب الشمس»، ونجحنا في ذلك، بخاصة أن مجموعة أخرى التفت من خلف الجبل، ورفعت العلم الفلسطيني مجدداً في «باب الشمس»، قبل اعتقالهم، لتقوم مجموعة ثالثة بذات الفعل، ما أثار جنون الجنود». وأشارت نزيه إلى أن المبادرة شبابية بامتياز، وبدعم من اللجان الشعبية لمقاومة الاستيطان والجدار، وأن سكان «باب الشمس» فتحوا المجال لممثلي جميع الفصائل بزيارة القرية، لافتة إلى أن «باب الشمس» نجحت في تحقيق حالة من الإجماع الوطني الفلسطيني حولها.