ندد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بإصرار المعارضة السورية على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، معتبراً أن ذلك يعرقل تسوية سياسية للنزاع. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي استعرض خلاله حصاد الديبلوماسية الروسية 2012 أمس: «كل شيء يصطدم بهوس المعارضين بفكرة الإطاحة بنظام الأسد». وأضاف: «طالما أن هذا الموقف غير القابل للمساومة سيبقى معتمداً، لا يمكن أن يحصل أي شيء جيد، ستتواصل المعارك وسيموت الناس باستمرار». وعبّر وزير الخارجية الروسي أيضاً عن أسفه لعدم وجود نية حسنة من قبل دول غربية لإقناع المعارضين بالتحاور مع السلطة. وقال: «بعض الدول الغربية ودول الشرق الأوسط رحبت بإنشاء ائتلاف المعارضة. ورداً على سؤال لمعرفة لماذا يشجع شركاؤنا مقاربة تقوم على رفض حوار، قيل لنا إن الأمر الأساسي هو جمع صفوف المعارضة قبل إقناعها باعتماد موقف بنّاء أكثر». وأضاف: «لكن لاحقا لم تحصل محاولات لوضع أطراف النزاع على طاولة المفاوضات. فقط نحن وشركاؤنا الصينيون وموفد الأممالمتحدة (السابق) كوفي أنان وخلفه الأخضر الإبراهيمي حاولنا القيام بذلك». وكان لافروف اعتبر في 13 كانون الثاني (يناير)، أن الإطاحة بالرئيس بشار الأسد «أمر يستحيل القيام به». وكرر أمس أن الأولويات بالنسبة لروسيا في تسوية الأزمة السورية ليست «التوصل إلى أهداف جيوسياسية، بل استقرار الأوضاع ووقف سفك الدماء، لإنقاذ حياة السوريين». وأضاف لافروف أن روسيا سوف تستمر في مساعيها من أجل جلوس أطراف النزاع في سورية إلى طاولة الحوار، وقال: «سوف نستمر بمساعينا للتوصل إلى تسوية سلمية في سورية، من دون تأويل اتفاقيات جنيف. وعلى الاطراف كافة بذل الجهود من أجل تشكيل لجنة لإدارة الفترة الانتقالية». وأضاف: «لأجل هذا يجب وقف أعمال العنف والجلوس إلى طاولة الحوار». أشار لافروف إلى أن المعارضة السورية ترفض التخلي عن المجابهة المسلحة، والغرب يشجعها على ذلك، وأن هذا لن يؤدي إلى نتائج جيدة ومقبولة. وأضاف أن آخرين من «مجموعة العمل» بشأن سورية يساندون المعارضة ونضالها المسلح ضد الحكومة. وقال: «لقد أعلن الائتلاف الوطني السوري أن هدفه هو الإطاحة بنظام الأسد ومؤسساته، وهذا يتعارض تماماً مع إعلان جنيف، الذي تضمن التأكيد على ضرورة المحافظة على مؤسسات الدولة، وعدم تكرار الأخطاء التي حصلت في بلدان أخرى». كما أعلن لافروف أن موسكو «مهتمة بعدم زعزعة الوضع في منطقة البحر المتوسط، ووجود أسطولنا في هذا البحر هو عامل استقرار في المنطقة». وتابع: «إن أسطولنا لم يكن في السابق قادراً على الإبحار إلى مسافات بعيدة، أما الآن فقد تغير الأمر، وعلى أسطولنا أن يتدرب. ولن نسمح ببقاء منطقة البحر الأبيض المتوسط منطقة عدم استقرار لاحقاً. لذلك فإن مرابطة أسطولنا هناك هو عامل استقرار». وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أنه ليس في نية موسكو تخفيض عدد العاملين في السفارة الروسية بدمشق، موضحا أنها تعمل بكامل طاقمها. ووفق قوله، فإن «السفارة تنفذ المهام الملقاة على عاتقها، وهي على اتصال مستمر مع السلطات ومع قوى المعارضة». وأضاف أن «العوائل غادرت منذ زمن بعيد لعدم استقرار الأوضاع، وهذا صحيح». يأتي ذلك فيما وصل حوالى ثمانين روسياً يقيمون في سورية صباح امس إلى موسكو على متن طائرتين استأجرتهما وزارة الحالات الطارئة، في أول عملية للسلطات الروسية لمساعدة الرعايا الهاربين من العنف. وقال لافروف في تصريحاته امس، إن الأمر لا يتعلق بعملية إجلاء واسعة للروس المقيمين في سورية، وقال «لم نبدأ إجلاء رعايانا». ويترصد المراقبون أي مؤشر بشأن عملية إجلاء واسعة قد يدل على اعتراف من قبل موسكو، احد آخر حلفاء دمشق، بأن أيام نظام الأسد باتت معدودة. وحطت الطائرتان، وهما من طراز «ياك-42» و «ايل-76»، اللتان أقلعتا من بيروت صباح امس في مطار دوموديدوفو في العاصمة الروسية. وكان الروس الذين أُعيدوا الى بلدهم انتقلوا اولاً إلى بيروت براً، واستقبلتهم فرق من الوزارة وأطباء نفسيون. وقالت وزارة الحالات الطارئة في بيان، إن معظم هؤلاء روسيات متزوجات من سوريين او فلسطينيين. وأوضحت «أنهم أشخاص من مختلف مناطق سورية طلبوا مساعدة السفارة الروسية في دمشق بعدما اصبحوا بلا مأوى وبلا وسائل للبقاء بسبب النزاع». وقالت وزارة الخارجية الروسية إن 27 طفلا أُعيدوا إلى روسيا. وصرحت سيدة روسية وصلت من سورية للتلفزيون الروسي: «لم نعد نستطيع العيش هناك. لم يعد لدينا مال ولا عمل». من ناحية أخرى، قالت ناتاشا يونس، التي فتحت صالوناً للتجميل في وطنها البديل دمشق بعد أن تزوجت من سوري: «الجيش السوري الحر يقترب»، واستطردت: «أصبحنا بلا مال، بلا إضاءة، بلا مياه... انفجرت قنبلة قرب منزلنا... الأطفال اختبأوا. بالطبع كان الموقف مرعباً». وقالت ابنة ناتاشا، أنجليكا: «كان قرار الرحيل صعباً جداً، لكننا خسرنا كل شيء وقررنا المجيء. المعارضة كانت موجودة بالفعل في المنطقة التي نعيش فيها». وكان يقف إلى جوار أنجليكا أطفالها الثلاثة، وقد بدا عليهم الإرهاق من رحلة قالت إنها استغرقت يوماً كاملاً من دمشق إلى بيروت، التي اختيرت كنقطة انطلاق، نظراً إلى المخاطر التي تحيط بمطار دمشق. وقالت إنها ستتجه إلى مدينة سان بطرسبرج التي لها فيها هي وأمها معارف. وقالت: «لا أعرف ماذا سأفعل. سأحاول العثور على عمل. قد أحصل على قرض وأبدأ مشروعاً». وقال الفريد عمر (57 عاماً) وهو مقيم في سورية ومتزوج من روسية، إن سياسات موسكو بدأت تهدد مواطنيها داخل سورية. وقال لدى وصوله مطار دوموديدوفو: «الموقف هناك خطر على الروس. إذا عرف الجيش السوري الحر أن شخصاً ما روسي يقطعون رقبته على الفور، لأنه يُعتبر مؤيداً لنظام الأسد». وقال عمر إنه غادر سورية لأنه لا يريد أن يؤيد أي طرف من طرفي الصراع. وقال: «أنا مواطن بسيط، كيف لي أن أغير أي شيء».