منذ أن خبأ نجم المنتحب الوطني السعودي وذائقتي الرياضية تضمر حد التلاشي، ليس فقط لأنني أشجعه بكل ما تمتلك يداي من قوة تصفيق، وقلبي من ترقب وخوف وقلق، فعندي وعند غيري من المواطنين المخلصين المستشعرين لقيمة وطننا الاعتبارية تأخذ المسألة بعداً مختلفاً، صدقاً يهمنا جداً فوز المنتحب السعودي، وتزعجنا خسارته بلا تقريع أو تعنيف، مادام لاعبوه وفريقاه الفني والإداري يبذلون قصارى جهدهم، نحن نشجعهم دعماً لهم في تحقيق النتائج الموازية للجهود المبذولة، ولكن لا ندري كيف يأتي التشجيع والمؤازرة لمنتخب صرف عليه الملايين تلو الملايين ولا يحرز سوى الإفلاس، إذاً نحن أمام معضلة لا تتعلق بنجاح وفشل، بل بقيم أخلاقية مفقودة، لذلك كل النتائج كانت متوقعة لأنها لا تناهز أبسط المعايير الأخلاقية التي تحقق معنى مواطن صادق ومخلص. انكشف هذا التردي المرتبط بالوطن في كثير من الممارسات، آخرها صفقة المدرب الهولندي العالمي فرانك ريكارد، الرابح الأكبر من صفقة قدرها 18 مليون ريال، طبعاً هذه المبالغ نقدت لأكثر من مدرب، لا أقول لم يحقق بل لم يتحقق من خلاله النصر المؤزر المنشود، وقد بتنا عبر تراكم النزف المادي الحاد أضحوكة للشعوب، نسي المتعاقدون السعوديون، الذين هم الطرف الأول في كل الصفقات الخاسرة، إضافة بند صغير ومهم ورئيس في عقود المدربين كشرط جزائي (الفوز الساحق على كل المنتخبات)، يومها لن يكون المدرب الشماعة التي نعلق عليها كل هزائمنا وفشلنا الإداري. أنا أسأل مثل غيري أليس المواطن الفقير المسكين أحق بهذه الموازنات المدفوعة، كم من فقير ومحتاج تضور ألماً جراء شوكة البرد الذي شهدته بلادنا هذا الشتاء، لم تنقطع الرسائل التي تصلنا عبر نوافذ التواصل الاجتماعي من مناشدة القلوب الرحيمة لمد يد العون لهم، بينما الناس متلهون وملتهبون بأجواء الكرة الساخنة وتداعيات خروج منتخبنا الوطني باكراً من كأس الخليج، لقد بلغ الاستهتار أقصاه يوم دفعت أيضاً مبالغ كبيرة لاستضافة المنتخب الأرجنتيني بلاعبه الألماس ميسي فقط «للطبطة» على الجماهير الغاضبة من تدني مستوى المنتخب، «يا سلام» امتصاص غضبنا يساوي عشرة ملايين ريال تقدم للمنتحب الأرجنتيني كي يؤدي لنا تمثيلية، إذاً كم يساوي ثمن الفشل الذريع الذي تتكبده موازنة الدولة من خلال انفاقها على المنتخب الوطني، أترك لكم الإجابة... هذه العقلية التي تتلاعب ألا تستحق مساءلة، والأخذ على أيدي العابثين ومحاكمتهم على كل هذا الهدر المالي بلا طائل. لا أدري كيف غاب عن عقولنا وسيلة عملية أخرى مادام المواطن لا يدخل في حساباتهم، وأن لاعبينا يهرولون على المستطيل الأخضر كالخيول في مضمار السباق، خيالهم ادوارد أو هنري، والصاهل العربي جاء من مزاد علني أقيم في بريطانيا، أقول كيف فات الأمر على أهل الحل والعقد من رجال الرياضة الأفذاذ في استقدام لاعبين بالتعاقد معهم بأي طريقة كانت، إما «قطاعي» أو طويلة الأجل، المهم الفوز بالكؤوس، يكفي إلباسهم «الفانلات» الخضر ليحققوا لنا النصر المفقود، بذلك لا نهدر أموالنا على هزائم محتملة ونكفيهم مؤونة التحايل الفج على الجماهير العريضة، طبعاً هذا الحل بمثابة الكي الذي يجيء آخر العلاج، على الأقل سنفرح حتى لو كان مزوراً عوضاً عن هزائم ماحقة. أعود إلى المواطن داخل هذه اللعبة التي لا يجني منها سوى القهر الآتي من جهتين، الهزائم، والخسائر المادية، هذا عدا ضياع الوقت في ما لا طائل منه، ونستعجب أيما عجب من المنتخب العراقي الذي لعب مباراته النهائية وعينه على كأس الخليج بمدربه الوطني، على رغم الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي وحتى الاجتماعي الذي يعانيه الشعب العراقي، ومع ذلك يقدم صورة باهرة ويرفع رؤوس العراقيين، ويرمم أرواحهم المدنفة التي أمضتها سنوات الوجع... لقد ثبت لنا أن الكرة هي علاقة أرواح قبل أن تكون علاقة أقدام، لنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة: ما الذي سرب همة الانتصار من أرواح لاعبينا، على رغم الرواتب العالية والعقود الكبيرة التي ملأت أرصدتهم الحسابية؟ هل يعني هذا بأن روح الهزيمة التي يتقلبون بها مردها حال الشبع حد التخمة، والبطر حد الملل، وعدم استشعار المسؤولية. أخيراً: لا يهم من سيدفع لريكارد ولا غير ريكارد، بل من سيدفع لفقراء الوطن ومحتاجيه، ممن هم خارج كل هذا الضجيج، لن يدرك معنى هذا من يغدق على منتخب، فشل عبر سنوات بامتياز، ملايين الدولارات «بشخطة قلم»، ليبرم صفقات مع مدربين منتهي الصلاحية، ولا يفكر بأهمية تأهيل مدربين وطنيين، ومنتخب وطني مؤهل علمياً وفنياً ووطنياً قبل الزج بهم في مضمار المنافسة التي لا تعرف سوى الأقوياء. إذاً أمامنا مشروع اسمه «الوطن فوق كل شيء»، على أساسه يجب أن يحاسب كل من يخل به ويعبث بمقدراته مهما علا كعبه واستفحل شأنه. * كاتب وروائي سعودي. [email protected] @almoziani