ما حدث معها دليل على أنّ مَن يصبر ينل، وما تتحدّث به شاهد على جمالٍ داخلي يكاد يُنسي المتحدّث إليها جمالها الخارجي. إنّها واحدة من اللواتي استفدن من الفرصة وأثبتن جدارتهن... منى أبو حمزة، لم تدرس الإعلام بل درست العلوم السياسية، لكنّها لم تعمل لا في هذا المجال ولا في ذاك، بل تزوّجت وكرّست نفسها لبيتها ولعائلتها طيلة 18 سنة من دون أن يموت في داخلها الحلم في دخول عالم التلفزيون، وهذا الحلم عاد وتحقق في برنامج «حديث البلد» على شاشة «أم تي في». عما اختلف في حياتها بعدما بدأت التقديم تقول منى: «على صعيد الآخرين زاد اهتمام الناس بي، وعلى الصعيد الشخصي انتقلتُ فجأة من إيقاع حياة بطيء إلى إيقاع سريع يتطلّب منّي جهداً كبيراً، فحين لا أكون في التصوير أكون في عملٍ أو أمرٍ له علاقة بالبرنامج أو بعالم الإعلام». وتضيف مجيبةً على سؤال حول إذا كانت اعتادت هذا الإيقاع الجديد أو إنّها تمنّت لو لم تدخل هذا المجال المُتعِب: «لم أندم للحظة واحدة، فهذا المجال يستحق كل تعبٍ وكل تضحية لأجله، بخاصّة أنّ هذه التضحية لا تتم على حساب اهتمامي بعائلتي، فأولادي قد كبروا وما عادوا بحاجة إلى الرعاية نفسها التي كانوا يحتاجونها في سنّ أصغر». حالياً انتهى تصوير حلقات جديدة من البرنامج وتعاد مقتطفات تجمع كلّ حلقة مشاهد من خمس حلقات، قبل أن يعود «حديث البلد» في موسمٍ جديد بعد عيد الفطر السعيد. كيف تقوّّم منى أبو حمزة البرنامج ككل؟ «إنّه جيّد، وقد بدأ بقوّةٍ ونجاح، ولكن لا يمكن القول إنّه ناجح إلاّ باستمراريته، فإن حافظ على هذا المستوى من المشاهدة في الموسم الثاني يكون فعلاً قد أثبت نجاحه». أمّا عن أدائها فتفصح قائلة: «بعد مشاهدة حلقات الbest of التي تجمع كما قلت خمس حلقات معاً لاحظت كم تغيّر أدائي بين الحلقة الأولى والحلقة الخامسة مثلاً، وهذا التحسّن أتى بشكلٍ تلقائي مع اكتساب الخبرة من أسبوع إلى آخر»، وتضيف: «لا أقول إنّني اكتسبت خبرةً كبيرة، ولكنّ تراكم الخبرات الصغيرة قادر على تحسين الأداء بشكلٍ واضح». من بين التفاصيل التي لاحظت تحسّنها في أدائها وترغب في التركيز عليها لتطويرها أكثر هي الإنسيابية في الكلام وفي التعاطي مع الضيوف، فقبل الحلقات الأولى تخبر أنّها لم تستطع النوم من شدّة خوفها وتوترها، «وكل ذلك سببه هَمّ تقديم الأداء الأفضل، مع العلم أنّه من السهل التخفيف عن الآخرين وطمأنتهم إلى أنّ الأمور ستسير على خير ما يرام، ولكن حين نواجه هذا الموقف نشعر بأننا نقع في الفخ». هذا الوضع لم يطل لأنّ منى سرعان ما استوعبت أنّ الأمور تجري بسلاسة ومن دون عراقيل كبيرة، عندها بدأت تشعر بطمأنينة داخلية ولكن من دون أن تفقد حماستها وتركيزها ومن دون أن تتهاون وتتكاسل. حين لا يملك الإعلامي خبرة سابقة تكون بمثابة قاعدة يبني عليها أسلوبه الخاص يشعر بأنّه بحاجة إلى التمثّل بأحد الإعلاميين الذين يعتبرهم مثالاً أعلى، فمَن من المقدّمين أو المقدّمات كان ركيزة أبو حمزة؟ تجيب بعفويةٍ وبساطة: «أنا أتعلّم من كلّ شخص ألتقيه أو أراه أو أسمعه، في أي مجال كان، وأسعى إلى ملاحظة تفاصيل ما يجري أمامي. فأرى مثلاً كيف يسعى أحد الإعلاميين إلى ملاحقة الضيف ليجيب على أسئلته، وكيف يسارع آخر إلى مساعدة ضيفه في إيجاد كلمة ضائعة»... ولكن أيّ من هذه التفاصيل تسعى للتمثّل بها وأيّ منها تحاول تفاديها؟ تقول: «هناك شعرة رفيعة تفصل بين كل الأمور في الحياة، ويجب على الإنسان أن يتمتّع باللباقة ليعرف متى عليه أن يتوقّف، فهناك فرق بسيط بين الإصرار وبين الوقاحة، بين الوقاحة وبين الصراحة». وتعتبر منى أنّ بعض الأشخاص يخافون الاقتراب من هذه الشعرة فيقفون على مسافة بعيدة جداً منها، في حين أنّ البعض الآخر يقطعونها ويتابعون الطريق، أمّا الفئة الثالثة التي تحاول أن تكون منها فتصل عند حدود هذه الشعرة وتقف. برنامج «حديث البلد» يستقبل تسعة ضيوف من مختلف المجالات السياسية والرياضية والفنية والأدبية... فأيّ هذه المجالات كان الأقرب إليها؟ «كل ما يتعلّق بمجال الأدب هو الأقرب إليّ، بخاصّة أنّني أكتب الخواطر منذ سنوات طويلة، وأشعر أحياناً بأنني أريد أن أغوص في الأسئلة مع الكتّاب والأدباء لأعرف تفاصيل أكثر عن كتاباتهم وأفكارهم». وردّاً على سؤال حول الخواطر التي تكتبها تقول منى إنّ كتاباً سيصدر لها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل في معرض الكتاب بعدما سمع أحد الأدباء بموضوع الخواطر ما أثار حشريته، فطلب قراءتها وأُعجِب بها فكان صلة الوصل بين أبو حمزة وأحد دور النشر. هل تلفت منى المواضيع السياسية فتحنّ إلى دراستها الأساسية في العلوم السياسية؟ تجيب: «إنّ المواضيع السياسية تهمّني ولكنّني أحاول في برنامجي ألاّ أدخل إلاّ في تفاصيل إيجابية وأن أضيء على النواحي الجيّدة فيها بما أنّ التفاصيل السيئة هي أمام أعين المشاهدين طيلة الأيام من خلال نشرات الأخبار وبعض البرامج السياسية». وتوضح قائلة: «أحب التركيز على إيجابيات ضيوفي لا على سلبياتهم، وأسعى إلى وضعهم في الواجهة بدلاً من السعي إلى أن أكون أنا في ذلك الموقع». كان التقديم حلماً صعب التحقيق بخاصّة أن أهل منى ومحيطها كانوا متخوّفين من هذا المجال، فما هو المخيف في رأيها في عالم الإعلام؟ تؤكّد بأنّها اكتشفت بعد دخولها هذا المجال بأنّ ما من شيء مخيف، بل على العكس إنّه عالم رائع استقبلها أجمل استقبال، «وهنا لا بد من أنّ أعبّر، لا عن شكري، بل عن أعمق امتناني إلى كل الإعلاميين والصحافيين لطريقة تعاطيهم معي». هل شعرت منى أنّها صارت حديث البلد؟ تجيب بموضوعية أنّها تفرح بالنتيجة الإيجابية التي قدّمتها، ولكن ذلك لم يدفعها، ولو للحظة واحدة على حد قولها، إلى الشعور بأنّها تطير وتحلّق فوق الغيوم، «فما إن يشعر الإنسان بأنّه وصل حتّى يتوقّف عن التقدّم، وما إن يطير حتّى يقع».