كان الوزير الراحل والأديب الكبير الدكتور غازي القصيبي – رحمه الله- أكثر الوزراء السعوديين تعرضاً لهجمات «المفاكسة» من المتشددين، الذين كانوا يعارضون كل ما يصدر عنه من قرارات في وزارة العمل، وحملات «المفاكسة» لمَنْ لا يعرفها عبارة عن أسلوب متقن وممنهج لتضليل المسؤولين، اخترعه أفراد التيار الإسلاموي المتطرف المسمى ب«تيار الصحوة» بداية تسعينات القرن الماضي، ويتمثل في محاولة إيصال صورة «مزورة» و«خادعة» عن الرأي العام لكبار المسؤولين في الدولة، كأن يتفق 100 شخص من أفراد هذا التيار الموزعين في مختلف مدن السعودية على إرسال «خطابات» ترفض قراراً معيناً أو سياسة متبعة عن طريق الفاكس للجهات المسؤولة، معتقدين أنهم بذلك سينجحون في تصوير الأمر كغضبة شعبية كبيرة من القرار الذي يرفضونه، وبالتالي سيتراجع صاحب القرار عنه احتراماً للرأي العام، على رغم أن الرأي العام لا علاقة له من قريب أو بعيد بحملات «المفاكسين»، التي تنطلق من توجيهات حزبية لا من الشارع. الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - واجه آخر حملة «مفاكسة» مؤثرة عام 2006 بعد إقرار تأنيث محال بيع المستلزمات النسائية وكانت تلك الحملة من أشرس الحملات، وأدت بحسب آراء كثير من المتابعين إلى تعطيل تطبيق القرار لسنوات، لكن ولأن الزمن يتغير واللعبة القديمة لابد وأن تصبح مملة في يوم ما، كما أن المخادع لا يمكنه اتباع الأسلوب نفسه كل مرة في عملياته، ظهر أسلوب جديد لدى فلول التيار الصحوي يمكن تسميته بأسلوب «المباشتة»، وقبل الحديث عنه يجدر بي أن أشير إلى أن مصطلح «فلول» هنا في محله وليس اعتباطياً، كون «تيار الصحوة» دخل مرحلة التشتت والانكفاء وانفض مولده بعد ما ترتب على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) في الولاياتالمتحدة، من تضييق الخناق على الأموال الساخنة التي كانت تجمع من دون حسيب ولا رقيب، لتشكل في نهاية المطاف إمبراطوريات حزبية تتدثر بالشعارات الدينية داخل دول الشرق الأوسط. «المباشتة» أو الأسلوب التضليلي الجديد في أدبيات فلول «الصحوة» يعمل لتحقيق الأهداف القديمة التي كانت تستهدفها «المفاكسة» أي خداع المسؤول ونقل صورة مزورة عن الرأي العام له، ويمكن تعريف «المباشتة» بشكل مختصر على أنها حشد مجموعات كبيرة من المتشددين دينياً معظمهم «عاطلون عن العمل أو متقاعدون أو محدودو التعليم»، وتوجيههم للوزارات ومكاتب أصحاب القرار تحديداً وهم يرتدون «بشوتاً» حاملين شعارات الرفض لقرار معين، ومدعين أنهم يمثلون المجتمع، ويتخلل تلك العملية تصويرهم ونشر الصور في شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، بعناوين تضليلية منها على سبيل المثال لا الحصر: «عشرات المشايخ والدعاة يتجمعون أمام الوزارة الفلانية لمقابلة الوزير والاعتراض على قراراته»، وهكذا يعتقد هؤلاء أنهم سينجحون في إيهام المسؤول وكذلك المتابع بأن القرار مخالف للدين والأعراف الاجتماعية ومرفوض شعبياً، وما إلى ذلك من الترهات التي لا أظن أنها تنطلي على أصحاب العقول في هذا العصر. [email protected] Hani_Dh@