احتدم الجدال بين الجالسين! الكل معارض لحكم الجماعة ومناهض لخلطة الدين بالسياسة. وكانوا حتى هذه الجلسة يعتقدون أنهم متفقون على سبل المعارضة! لكن اتضح أنهم مختلفون، فكل يسير في اتجاه مخالف للآخر! وزاد الطين بلة أنهم اكتشفوا بعد بحث وتدقيق أن هذه الفرقة في الاتجاهات المعارضة للنظام الحالي ليست حكراً عليهم، بل هي سمة المعارضة الوطنية في مصر الآن. وفي مصر الآن، وتحديداً في شهر الثورة كانون الثاني (يناير)، تقف المعارضة على ثلاثة أطراف نقيض، الأول يسير في طريق خوض الانتخابات البرلمانية المزمعة، والثاني لا يعترف بشرعية النظام ومن ثم لا يعترف بالانتخابات، والثالث يتحدث عن ثورة جديدة وإسقاط النظام. الحديث عن تشرذم اتجاهات المعارضة طاول «فايسبوك» عبر صورة ورسم ساخرين كان يفترض أن يثيرا الابتسامة، لكنهما فجّرا الحقيقة المرة. استعان أحدهم بصورة ل «الخواجة بيجو» (الذي يتحدث العربية بلكنة أجنبية) و «أبو لمعة» (دائم الكذب والتهويل) وهما الشخصيتان الكوميديتان اللتان ذاع صيتهما في ستينات القرن الماضي. يطرح «أبو لمعة» سؤالاً: «قل لي يا خواجة! نحن كمعارضة معترفين بشرعية النظام وسندخل انتخابات مجلس الشعب؟ أم إننا غير معترفين به وسنقوم بثورة يوم 25 يناير لإسقاطه؟»، فيرد عليه «الخواجة بيجو»: «شوف خبيبي! إخنا راخ نعملوا ثورة كبير يوم 25 يناير، ولو فشلت راخ ندخل الانتخابات، ولو سقطنا في الانتخابات، نعمل واخد ثورة تاني!». الاتجاهات التي تطرحها المعارضة المصرية في مصر الآن وضعت المصريين غير الناشطين سياسياً لكن المعارضين لتيارات الإسلام السياسي في موقف لا يحسدون عليه! فقد وجد كل منهم نفسه يسير في اتجاه مخالف لمن يقفون معه في الخندق نفسه، ما جعل التناقض سمة المرحلة. هذا التناقض دفع بالسائرين في ركاب التيار الشعبي أنفسهم يلقبونه ب «التيار المحتار»، وجعل المتشبثين ب «جبهة الإنقاذ» ينعتونها ب «جبهة الإنقاذ إن سمحت الظروف». وهو كذلك ما أصاب كثيرين بالإحباط المشوب باليأس. فمواقف الجبهة باتت تتسم بالغموض والارتباك والتناقض، وهو ما انعكس سلباً على جموع المنتظرين لما تسفر عنه اجتماعات الجبهة وقراراتها لمواجهة النجم الساطع للإسلام السياسي. لكنه بات انتظاراً من دون جدوى. جدوى الجبهة كجهة موحدة للمعارضة بات موضوعاً للنقاش ومثاراً للشكوك، وأصبحت عبارات وجمل على شاكلة «لا أرى في البرادعي (الدكتور محمد البرادعي) قائداً مناسباً» أو «لا أشعر بالراحة تجاه وجود موسى (السيد عمرو موسى) في الجبهة» أو «لست متأكداً من المسار الذي يتخذه حمدين (السيد حمدين صباحي)» أو «أحترم أبو الغار (الدكتور محمد أبو الغار) لكن لا أرى مواقف واضحة لحزبه (المصري الديموقراطي)» تنتشر وتشيع بين عموم المواطنين من غير الناشطين وغير الإسلاميين. ولأن كثيرين يتشبثون بتلابيب الجبهة باعتبارها طوق النجاة الوحيد المتاح بعيداً من الإسلام السياسي، فإن نبرة يائسة حزينة تسيطر على البعض جراء عدم وجود بدائل أخرى. ويزيد من حدة الحزن اضطرار البعض للدفاع عن الجبهة، على رغم عدم الاقتناع بمسلكها والاعتراض على تخبطها، لمجرد اتباع المثل القائل «أنا وأخي على ابن عمي»، حيث يقف الإسلام السياسي موقف ابن العم! يقول محمد ثابت (42 سنة، مهندس): «كلما أشار إخواني أو سلفي إلى الجبهة بعبارة «جبهة الخراب» المنتشرة بين الإسلام السياسي، أجد نفسي مدافعاً شرساً على رغم أنني في قرارة نفسي غير مقتنع بسياساتها ودلالها الزائد على رغم أنها في موقف لا يسمح لها بذلك». دلال الجبهة أو بمعنى أدق اتباعها مثل «الثقل صنعة» يقلق كثيرين، ومنهم منال سعد (38 سنة، معلمة) التي تقول: «الجبهة ترفض الحوار الوطني، وتملي شروطاً على رغم أنها في الموقف الأضعف، وتتناول النظام الحاكم ومن حوله من تيارات سلفية بنبرة فوقية، وهو ما يزيد من ضعفها وإقصائها ومن ثم تضاؤل آمال المصريين من غير الإسلاميين بأن يكون لهم موقع في مصر الجديدة». وإلى أن يكون للمصريين من غير الإسلاميين موقع في مصر الجديدة، وإلى أن تستيقظ «جبهة الإنقاذ» من غفلتها، أو تولد جبهة أخرى أو حزب سياسي أو حركة اجتماعية قادرة على المناورة والتكتيك السياسي، يكتفي كثيرون بفش غضبهم والتعبير عن إحباطهم عبر أصوات معارضة صاخبة تنضح بالسخرية. إنهم يضحكون على ما هم فيه عبر «البرنامج» لباسم يوسف ويندبون على ما آلت إليه أحوالهم في «هنا القاهرة» لإبراهيم عيسى. لكن حتى طوق النجاة الساخر مهدد بالتوقف مع كل حلقة بتهمة إهانة الرئيس أو ازدراء الجماعة أو إشاعة البلبلة، إن لم يكن بحكم المحكمة اليوم، فغداً!