استعداد يميناً، واستنفار يساراً. ترحيب هنا، وتضييق هناك. هتافات «بنحبك» متكررة، وصيحات «قاتل» متقطعة. حشد جواً، وتجييش أرضاً. تكتيك للتأييد، وتكنيك للتنديد. خطة 4-2-4 للكسب، ومراوغة 4-3-3 للهجوم. فريق مع، وفريق ضد. لا يجمعهما سوى الأعلام الوطنية، لكن حتى تلك شابها اللون الأصفر الشهير على أحد الجانبين. وعكس ما يجري في مثل هذه المحافل، لا تقف المجموعة المناهضة لهذا الرئيس أو ذاك الزعيم منتظرة إياه بالبيض أو الطماطم حيث الرشق المتعمد والرمي الممنهج، بل تصطف استعداداً لرشقه ومؤيديه، ورميه ومحبيه تأكيداً على النهج السياسي وتفعيلاً للمسار العقائدي. عقيدة المصريين المكتسبة على مدار ما يقرب من أربع سنوات مضت في مجال الحشد والحشد المضاد، والتجييش والتجييش المناهض، والميادين الثائرة لهذا الغرض وتلك المشتعلة لدحض هذا الغرض أضيفت إليها بنود وضمت أشكالاً فريدة وصوراً غريبة ودروساً عجيبة. لكن درس هذه المرة جاء من الحشد والحشد المضاد عبر المحيطات. احتاط «محبو» الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومعهم مؤيدوه وداعموه والواقفون على جبهته لأسباب شتى وأغراض جمة، بدءاً من حب خالص وود بائن مروراً باقتناع وافر واحترام جامع وانتهاء بتخطيط لمطامع ما وتكتيك لمصالح أخرى، فنُظمت الرحلات، وأقلعت الطائرات، ووصلت الرحلات إلى الولاياتالمتحدة لدعم الرئيس. لكنها لم تكن الرحلات الوحيدة، أو الإقلاعات الفريدة، بل اتسعت قاعات الوصول وباحات المحطات لاستقبال «محبي» الرئيس السابق محمد مرسي، ومؤيدي الجماعة وداعميها والواقفين على الجبهة المقابلة المناهضة حيث «سيسي يا سيسي مرسي رئيسي» و «الانقلاب هو الإرهاب». الإرهاب المحلي الذي تزامن ورحلة السيسي المثيرة شكلاً وموضوعاً للولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في الدورة ال69 للجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة المناخ ولقاء السحاب «المحتمل» تم ربطه شعبياً وقت حدوثه بالحشد «الإخواني» المضاد بغرض إحراج السيسي والوفد المصري غير الرسمي المرتبط مهنياً بالإعلام والمصنف نفسه ب «الشعبي» والمؤدي إلى تفجر العديد من علامات الاستفهام التي لا تخلو من تعجب مشوب بالاستنكار. ويبدو أن الاستنكار هو سيد الموقف، فقد جمع بين طرفي نقيض: الإعلاميين المؤيدين المحسوبين بعلمه أو من دونه عليه، والمصريين المؤيدين المحبين المتعاطفين الداعمين ل «الإخوان المسلمين». مزاج عام من الاستنكار وشعور عارم بالاستغراب جمع المصريين الذين مازالوا يعانون صدمة حادث بولاق أبو العلا الإرهابي ويجترون مرارة الإسلام السياسي والجهادي وهم يتابعون تقارير رحلة السيسي وكأنها تراشق بين المصريين و «الإخوان»، وتسابق بين المؤيدين والمعارضين لكن على أرصفة نيويورك بدل شوارع القاهرة وحاراتها. حارات القاهرة التي تئن أحياناً من ألفاظ خادشة هنا أو عبارات غير لائقة هناك من قبل قلة منحرفة أو مجموعة بلطجية، أقرضت نيويورك جانباً من معاناتها ضمن خطط الجماعة لاستقبال السيسي ومؤيديه. وتنشغل القاهرة والمحافظات حالياً بمتابعة مناورات أنصار الجماعة للهجوم على أنصار السيسي في بلاد العم سام، ومخططات أنصار السيسي لوأد مناورات الجماعة وإجهاضها عبر حشد أكبر وتجييش أعتى، وينسى البعض أثناء المتابعة أن التكتيك والتكنيك والتخطيط على بعد آلاف الأميال وليس في المطرية أو عين شمس أو مصطفى النحاس. موجة عاتية من السخرية اللاذعة اجتاحت الشبكة العنكبوتية، فتداول كثيرون مقاطع شتم وسب ولعن صبتها سيدة مصرية على المذيع يوسف الحسيني الذي كان في استقباله عدد من «الإخوان» المقيمين في الولاياتالمتحدة. السيدة التي عرفها بعضهم ب «النسخة الإخوانية» من مؤيدة السيسي صاحبة عبارة «شات آب يور ماوس أوباما» (أغلق فمك يا أوباما) سرقت الأضواء واستحوذت على التعليقات، لا سيما أنها أصرت على الشتم والسب بالإنكليزية على رغم أن الحضور كله كان مصرياً. ملايين المصريين الذين يتابعون زيارة السيسي وأجواءها الساخنة والحشد والحشد المضاد في بلاد العام سام، ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الفقرات «الترفيهية» المقامة على هامش الحدث، وبدء الحدث نفسه، بكلمة السيسي أمام الأممالمتحدة ثم اللقاء المتوقع مع نظيره الأميركي. ويظل هناك «ملايين المصريين» الافتراضيين الذين مازال يخاطبهم «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»، ليحييهم على استباق زيارة السيسي ب «فعاليات رافضة متميزة ونضال قانوني وحقوقي»، داعياً إلى «فعاليات حاشدة هادرة في كل مكان للتعبير عن رفض الزيارة تحت شعار «لا يمثل مصر». السيسي الذي يمثل مصر في المنظمة الأممية وأمام دول العالم وفي لقاءاته بقادتها واجتماعاته مع مسؤوليها ورجال أعمالها، سيعيد الأضواء إليه اليوم بدل تركزها على الرصيفين المقابلين للأمم المتحدة. وبين خطاب مؤكد أمام قمة المناخ، ولقاء محتمل مع الرئيس أوباما، ومشاحنات متوقعة بين الرصيفين، وتنازع الدق على أوتار الحادث الإرهابي، تحبس مصر أنفاسها انتظاراً للخطاب والخطاب المضاد، واللقاء واللقاء المضاد، والحادث وتبادل الاتهامات.