تتعرض طائفة الروم الارثوذكس في لبنان لظلم كبير، عبر نسبة مشروع قانون انتخابي، لا ناقة لها فيه ولا جمل، يقضي بانتخاب كل مذهب لنوابه. تظلم هذه الطائفة مرتين، فهي لم تكن كطائفة تحمل مشروعا خاصا في لبنان، وسُرق اسمها ليلصق بمشروع مشبوه منذ اطلاقه. وليس صدفة ان يكون مطلقو هذا المشروع وأشد المتحمسين دفاعاً عنه اليوم ومؤيدوه بقوة هم من الفريق السياسي ل «8 آذار». ما يكشف الطرف الذي اوحى به ويكشف انه كان منذ الاساس مراوغة سياسية لهذا الطرف، في اطار استمرار زرع الشقاق الطائفي في البلاد، وليس بالتأكيد من اجل تصحيح التمثيل الشعبي في مجلس النواب. وألصق اسم المشروع بالانتماء الطائفي لمطلقه الذي هو من اكثر المتحمسين دفاعاً عن السياسة السورية في لبنان وفريقها في لبنان. يتذرع «حزب الله» وحركة «امل» بدعم المشروع بأنهما يؤيدان ما يريده المسيحيون الذين لخص الثنائي الشيعي وجودهما في لبنان بالحليف ميشال عون. لكنهما يدركان في الوقت نفسه انه يؤبد هيمنتهما على الاصوات الشيعية، ويمنع بروز أي قوة أخرى داخل هذه الطائفة. وليؤسس هذا المشروع، في الواقع، لهيمنة سياسية مستدامة على الوطن، وليس تصحيح تمثيل أي طائفة من الطوائف في البرلمان. اما الجنرال عون فلن يجد مشروعاً أكثر من هذا أثراً في تقسيم البلاد وتفتيتها، بذريعة الدفاع عن المسيحيين. مشاريع القوانين الاخرى المطروحة، فهي ايضا تهدف الى ترسيخ نفوذ سياسي للفريق الذي يطلقها، ولن تلبي الحاجات الفعلية لبناء دولة المواطن في لبنان، والتي تتعرض لأكثر التهديدات جدية منذ قيام لبنان الكبير. فالمسألة لا تتعلق بتقنيات انتخابية ومواد قانونية، انها تتعلق اساساً بامكان اعادة تركيب الموزاييك اللبناني في قطعة واحدة، بعدما تكسر وبات كل لون منه في زاوية. قد يكون المسيحيون الاكثر حساسية ازاء هذا الواقع. ومع التطورات في المنطقة التي يرافقها صعود الاصوليات المذهبية، تزداد هذه الحساسية التي عبّر عنها البطريرك الماروني بشارة الراعي بالانحياز الى انظمة ديكتاتورية بذريعة انها تحمي الاقليات ومنها المسيحيون. وراح المسيحيون، في لبنان، يكثرون من مشاريع قوانين الانتخاب الخاصة بهم لعلها تحفظ لهم بعضاً مما تبقى لهم. ارتبط تهميش المسيحيين في لبنان بما آل اليه وضع البلد في ظل الهيمنة السورية، سابقاً ولاحقاً، وايضاً باختلال ميزان القوى على كل المستويات مع الطوائف الاخرى، خصوصاً الشيعة. وأي سعي الى تصحيح هذه المعادلة على اساس طائفي سيصطدم بالضرورة بالمكتسبات الجديدة لطوائف أخرى. وما دام الحديث، سواء ما تعلق بمشروع قانون انتخاب أو أي مسألة أخرى، يتعلق بتمثيل طائفي وحصص طوائف سيكون المسيحيون هم الخاسرون بالتأكيد، لسبب بسيط وهو انهم لم يعودوا يملكون ادوات الدفاع عن حصتهم. ومن الغباء الاعتقاد بان آخرين، مهما اطلقوا من الكلام المعسول لمآرب سياسية، يمكن ان يضمنوا هذه الحصة على المدى الطويل. لا سبيل امام المسيحيين في لبنان الا الخروج من منطق الحصص الطائفية الى حقوق المواطن، والانتقال من مرحلة التساكن السياسي الى مرحلة المواطنية. وهذا يعني مضاعفة الجهد من اجل اطلاق ورشة مشروع وطني يخاطب جميع اللبنانيين، ويهدف الى انقاذ الوطن والمواطن وليس حصة طائفة هنا أو هناك. صحيح ان هيمنة «حزب الله»، السياسية والعسكرية، وغموض مستقبل النظام السوري وتطورات التوترات المذهبية في المنطقة، من المعوقات الاساسية امام التواصل بين جميع اللبنانيين، واطلاق مشروع ناجح عابر للطوائف، لكن لبنانيين كثراً يرغبون في إيجاد مكان لهم في اطار المواطنة وخارج الحصص الطائفية، وان يتحرروا من هيمنة الاصوليات.