أعجبني ردّ أحدهم على أولئك الذين استوقفتهم بدلة الحفلة التي اختارها ميسي يوم تتويجه بالكرة الذهبيّة الرّابعة، وسخر منها أصحاب الألسنة السليطة، فقال: «عندما يشير الحكيم إلى القمر، ينظر الغبيُّ إلى إصبعه» بمعنى، عندما يفوز الفتى الأرجنتيني الخارق برابع كرة تتحدّث الصحافة عن بدلة استهوته، وتناغمت مع وجهه الطفولي. وينمّ هذا السلوك عن ردود فعل غير رياضيّة تجاه لاعب يملأ العالم ضجيجاً بإنجازاته، وأرقامه القياسيّة غير المسبوقة، وهو في ال25. فعندما نهتمّ ببدلة غير مألوفة في عالم الأزياء، ونتعامل معها بسخرية (..)، فذلك لأنّها تليق بلاعب غير مألوف أيضاً، سجّل 50 هدفاً في موسم واحد مع فريقه، وحطّم رقم الألماني المرعب جيرد موللر (85 هدفاً) الذي ظلّ صامداً 40 عاماً، فمرّ النجوم والهدّافون، ولم يصلوا إلى نصفه (..) حتى جاء ميسي ليصل إلى سقف ال91 هدفاً في سنة مدنيّة خلال 365 يوماً. غير أن الصّحف، وتحوّل كثير منها إلى ما يشبه حديث نساء الحمّام (..)، فأفردت مقالات عدة عن الزيّ الذي ظهر به ميسي، وقارنوه بمن معه، رونالدو وإنييستا وفالكاو، ولم يقولوا كثيراً عن الكرة الرابعة التي حازها بعد تنافس محتدم مع اثنين من أهمّ لاعبي الكرة في العالم أندرياس وكريستيانو، وأصبحت الصّحف تتعامل مع حفلة زيوريخ بمقاييس مهرجان «كان» السينمائي، حين يكون الاهتمام بفساتين الفنانات أكثر من قيمة الأفلام المعروضة، وفي ذلك ما يشبه اللعب على هامش الملعب، والتركيز على ملامح الجمهور أو لاعبي الاحتياط من دون النظر إلى ما يحدث على المستطيل الأخضر. كان الردّ سريعاً من ميسي الذي أهدى الكرة لزملائه في برشلونة ولمنتخب الأرجنتين ولعائلته وزوجته وابنه الذي يحبّه كثيراً، وأرسل في اليوم الموافق لنيله الكرة الذهبيّة الرّابعة القميص الذي لعب به مباراة بلوغه 91 هدفاً بتوقيعه للألماني موللر، كتب فيه جملة «إلى جيرد موللر مع كامل احترامي وإعجابي. قُبلاتي - ليونيل ميسي» مع رسالة وقّعها رئيس نادي برشلونة روسل، فاعتبر الرياضيون والنقاد هذه اللفتة من ميسي سلوكاً حضارياً مميزاً، فيه مشاعر إنسانيّة عميقة. وكان الثعلب الألماني أبدى انبهاره بميسي ومهاراته العاليّة، وقال ضاحكاً: «سيطرتُ على الرّقم 40 عاماً، والآن ها هو ليونيل ميسي أفضل لاعب في العالم يحطّمه. إنّه عملاق، لاعبٌ لا يُصدّق، إنّه ساحر، في الحقيقة، ميسي ارتكب خطأ واحداً، كونه لا يلعب لبايرن ميونيخ». هذه هي لغة النّجوم الكبار الذين لا يتّصفون بالأنانيّة، ويعرفون معنى أن تكون نجماً، فينتهي وقتُك ليأتي وقت نجوم آخرين، تصفّقُ لهم كما صفّقوا لك، وسيصفقون لغيرهم كما صُفّق لهم، وهكذا يكون التّداول على النجوميّة والشهرة. فكرسيّ النجم الأوحد غير موجود إلا افتراضاً في أذهان المعجبين والنقاد أيضاً، فربّما اختار هذا بيليه، بينما يرى آخرون أن مارادونا هو الأفضل، ورشّح آخرون زيدان، فزايد عليه آخرون برونالدو البرازيلي، وفاضل آخرون بين كريستيانو وميسي، فتأتي الكرة الذهبية لتفصل في من هو الأفضل في العالم، ومع ذلك، فإن بدلة ميسي كانت منقّطة بالذّهب. [email protected]