بعد أن دعا المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي الحكومات الإسلامية في دورته ال21 أخيراً إلى التصدي لبوادر الإلحاد، والوقوف أمامه، ومنع قنواته ورموزه، شن عضو الجمعية العلمية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة الدكتور في قسم العقيدة في جامعة أم القرى لطف الله خوجة، هجوماً على المقاهي الفكرية، واعتبر أن بعضها أصبح مكاناً لمناقشة مسلمات والتشكيك فيها لدرجة الإلحاد. وقال متعجباً في قراءة له حول بيان المجمع الفقهي الأخير حول الإلحاد: «هل تصدقون أن مثل هذه القضايا تطرح بين أيدي الشبان والشابات، في مجتمع مختلط،»، لافتاً إلى أن البيان أتى متأخراً، فبوادر الإلحاد ظاهرة في الروايات، وفي الصحف والمواقع الإلكترونية. ورأى خوجة أن «بيان المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته ال21 المنعقد أخيراً، يدل على أن حالات الإلحاد بلغت مبلغاً يتعذر السكوت عنه، إذ استعرض بيان المجمع ما تنامى من بوادر الإلحاد والتشكيك في دين الله تعالى، ومن ذلك ما وقع من تطاول على الله تعالى، وتشكيك في وجوده سبحانه وتعالى، وفي لزوم عبادته والخضوع لأمره ونهيه، وتحكيم شريعته، والرضا به سبحانه رباً وبالإسلام ديناً، ومن ذلك سوء الأدب في المخاطبة والحديث عن جلال الله تعالى وعن مقام نبوة خاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم...». وأضاف: «عندما يصدر بيان كهذا من أحد المجامع الكبرى، التي يشترك في عضويتها عشرات من العلماء والمختصين وذوي العناية والرعاية لقضايا الأمة، فذلك يعني ضرورة أن ما يحذر منه بلغ مبلغاً تعذر معه السكوت، فلم تعد حالات شاذة معزولة، أو خفية مستترة، أو نزوة من شاب غر خانه التقدير والتعبير، كلا، بل وراء الأكمة شيء أخاف هذا الجمع»، وأشار إلى أنه بعد تأمل بيان المجمع الفقهي ودرسه ومحاولة كشفه لمعرفة سره، رأى أن هناك من يعمل على سلخ المجتمع من تدينه وإيمانه كلياً، متخطياً بذلك كل الحواجز والخطوط الحمراء. وأضاف متعجباً: «بعد ألف عام ونصف الألف، عدنا إلى نقطة الصفر، بدأنا من جديد لإثبات القضايا الدينية الكبرى، وكأننا للتو خارجون من الوثنية والشرك والكفر بالله تعالى، وكأننا لم نعرف الإسلام، فنحن في حاجة اليوم لتعليم شبابنا، أن الله موجود، راع للكون غير تارك له، وأنه أرسل نبياً يدعو إلى سبيله، وأن للعباد يوماً يبعثون فيه، يحاسبون فيه؟». ووصف ذلك ب«أنها لطامة كبرى، تكشف عن خلل عميق في نظام التربية والتنشئة، وتهاون في إحاطة دين الله في النفوس بالصون والرعاية، من جميع من له علاقة بالجيل ومسؤولية بلا استثناء». وتابع: «لو أنها كانت من حديثي عهد بإسلام، أو أهل بلاد الأطراف البعيدة عن مركز الإسلام، أما أن يكون ممن ضرب في الإسلام بنسب قروناً عدة، وفي أرض بزغ فيها نور الإسلام، وهي مأرز الإيمان، فهذه بلية وداهية ما بعدها داهية». وقال: «من السخرية أن نكون في ذيل الأمم حتى في هذه، فالغرب سبق بهذا الإلحاد، وكثر فيه الفلاسفة الملحدون، وذلك منذ ثلاثة قرون، غير أنهم وبعد عقود من البحث والتفتيش اضطروا للخضوع لحقائق التاريخ والفطرة والعقل، فعاد جلهم وأكثرهم يقرون بوجود الإله، ورعايته وعنايته للكون، وبالبعث والمعاد، بعد أن قامت لديهم الأدلة اليقينية على هذه الحقيقة الكبرى، وما سعهم سوى الكفر بماضيهم الملحد، وطلب الإيمان من جديد». واستشهد بأقوال الفيلسوف الفرنسي فولتر عن وجود الله، وأوضح خوجة أن أوروبا خرجت تستعمر بلاد وشعوب العالم، فاكتشفت أن الدين غريزة في جميع البشر، فتراجعت عن إلحادها وتراجع الفلاسفة، حتى قال معجم «لاروس» للقرن ال20: «إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس، حتى أشدها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية». وذكر أن الفيلسوف أوجست كونت عاد في آخر أيامه متديناً، مكللاً حياته بوضع ديانة جديدة، إيماناً منه أن الدين نزعة بشرية وفطرة لازمة. وأكد أن هذه حال وتجربة الغرب المغرور بجبروته وقوته وتقدمه، يقر بعد عقود بحقيقة وجود الرب سبحانه، وحاجة الإنسان إلى: الإله، والدين، والتدين. وأشار إلى ما تضمنه بيان المجمع الفقهي من «إجماع العلماء في جميع الأزمنة والأمكنة على كفر وردة من استهزأ بالله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه، أو استخف بشيء علم بالضرورة من دينه»، والتنبيه إلى أن «هذه الأمة الإسلامية المرحومة، قامت وحدتها الفكرية والحضارية والاجتماعية على الرضا بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا»، وأن «من الواجب تذكرة نعمة الله تعالى على هذه الأمة، وإكرامه تعالى لها، بأن جعلها: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)». وقال: «يشير هذا الاجتماع الذي نتج منه القوة وإرهاب العدو، والخيرية التي رفعت الأمة إلى أعلى الدرجات. مهددة بالزوال والتغيير إلى الضد، متى ما تركت الأمة دينها وتنكرت له، لتعود كما كانت في جاهليتها: مستضعفة، مفرقة لا قيمة لها. وهؤلاء المشتغلون بهذا الإلحاد تلقفاً وتلقيناً، يضرون بكيان الأمة ضرراً بالغاً، فما يفعلونه هو نقض لهذا الكيان، ليست مجردة حرية فكرية، ومحاولة لتحصيل اليقين من طريق السؤال والبحث والعقل، فإن قضايا الدين الكبرى كوجود الله والبعث، هي من الحقيقة الظاهرة البينة التي هي كالشمس في رابعة النهار وكبد السماء، ما يجعل كل محاولة للبحث فيها من جديد، إنما فعل عابث يلعب، أو مجنون أحمق لا يصدق أن المطر ينزل من السحاب، حتى يصعد لينظر ويرى».