رغبة في الشراء لا تُقاوّم تلك التي ولدتها بعض محلات الذهب الصغيرة في بغداد بعد الإعلان على أبوابها «نبيع الذهب بالتقسيط». لم يتوقع أحد قط ظهور محلات تقدم تسهيلات كهذه في بغداد وتبيع الذهب مقابل ضمانات بسيطة مثل البطاقة الشخصية، ودفعة أولى لا تتجاوز ربع قيمة الذهب المُباع. النساء المهووسات باقتناء الذهب، كنّ أول ضحايا تلك المحلات التي تستورد ما يسمى ب «الذهب البرازيلي»، وهي حلي ذهبية مزيفة مطلية لا يتمكن الأشخاص العاديون من التمييز بينها وبين الذهب الحقيقي، وحدهم صاغة الذهب يتمكنون من الكشف عنها والتعرف إليها. المحلات التي انتشر بعضها في أحياء شعبية وأخرى معروفة تجمع الأموال من الناس الذين يرغبون في الشراء وبعد دفعتين أو ثلاث، ليتفاجأ هؤلاء عند قدومهم لتسديد إحدى الدفعات بإغلاق المحل بحجة سفر صاحبه لجلب بضاعة، لكن وبعد أيام تظهر الحقيقة ويكتشف الضحايا أن الذهب الذي بحوزتهم مزيف وليس من العيار الثقيل كما أخبرهم صاحب المحل. البدّع والأعذار التي ابتكرها الصاغة المزيفون لبيع الذهب بالتقسيط كثيرة، فمنهم من تعذّر بركود السوق المحلية وآخرون ابتكروا كذبة الرغبة في كسب زبائن جدد وفئة أخرى قدّمت أعذاراً بأن طريقة البيع بالأجل تجعلهم يقومون بتصريف بضاعتهم في شكل أسرع، وكل هذه الأعذار دفعت مئات النساء للوقوع ضحايا عمليات نصب. المشكلة الأكبر هي أن الكثيرات من الضحايا قمن أصلاً باستبدال قطع ذهبية حقيقية، في تلك المحال بعد إضافة مبالغ عليها لشراء قطع أخرى أثقل وزناً أو من موديلات أكثر حداثة ليكتشفن بعد ذلك أنها كانت مزيفة. البلاغات التي تقدّمت بها النساء إلى مراكز الشرطة جاءت متأخرة إذ تمكن الكثيرون من الصاغة المزيفين من الهرب خارج البلاد بعدما جمعوا مبالغ محترمة في أسابيع أو شهور قليلة، لكن بعضهم الآخر سقط في يد الشرطة إثر تسرب الإشاعات بسرعة بين الناس وقيام الكثيرين بالكشف عن الذهب الذي اشتروه بالتقسيط لدى صاغة معروفين في محلات أخرى تتمتع بسمعة جيدة. الحصول على نتائج سريعة أثناء التحقيقات حول الموضوع يبدو ضرباً من الخيال في بلد يعيش أوضاعاً مربكة مثل العراق حيث يتمكن الكثيرون من الفرار قبل أكتشاف ضحاياهم من قبل تلك الأجهزة. أما وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المختصة فتحاول الكشف عن ملابسات الكثير من القضايا من هذا النوع عن طريق استجواب الصاغة الذين تمكنت من الإمساك بهم قبل مغادرتهم البلاد. بعض النساء اللواتي رفضن الرضوخ لإغراءات الأسعار وشكّكن بنقاوة الذهب المباع بطريقة التقسيط أكّدن أن سبب عدم وقوعهن في المصيدة، هو أنهن لن يصدقن يوماً أن الذهب يمكن أن يُباع بالتقسيط في بلد كالعراق، ترتفع فيه أسعار الذهب في شكل كبير ويتزايد الإقبال عليه كسلعة رابحة لمحبي التوفير. فحتى لو فكرت محال الصاغة في ابتكار طريقة معينة لتصريف بضاعتها بسرعة، فلن تبيع الذهب بالتقسيط. نساء أخريات بدأن أخذ احتياطاتهن بعد شراء الذهب حتى وإن دفعن الحساب كاملاً وقمن بفحصه في محلات أخرى بعد الشراء خوفاً من التعرض للنصب مثلما حدث مع كثير من النساء في بغداد. وتفضل أخريات شراء الذهب الهندي والخليجي لضمان نقاوته قياساً بالذهب العراقي الذي ابتعد كثيراً عن سيطرة أجهزة الفحص والرقابة.