عاد مصمّم الرقص اللبناني وليد عوني إلى دار الأوبرا المصرية بعد غياب أربع سنوات، ليقدم الباليه الشهير «عصفور النار» برؤية إخراجية جديدة. عن هذا العرض الذي سيُقدّم في 27 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وعن رحلة الغياب والعودة، يتحدّث الفنان المفتون بمصر في حديث مع «الحياة». استقال تلميذ موريس بيجار من كل مناصبه في مصر عام 2011 وعاد إليها الآن كفنان زائر. وعن الاستقالة وكيف كانت العودة؟ يقول: «كان المناخ غير مناسب للعمل، فمصر كانت تمر بفترة انتقالية فآثرت الابتعاد. أما بالنسبة إلى العودة، فقد فوجئت بدعوة وجّهتها إلى رئيسة دار الأوبرا إيناس عبد الدايم، لتصميم عمل لفرقة باليه أوبرا القاهرة وأيضاً لإعادة تقديم عملين من أعمالي أحدهما لفرقة الرقص المسرحي الحديث والآخر لفرقة فرسان الشرق». ويضيف: «الاختيار كان لعبد الدايم التي طلبت عرض «نساء قاسم أمين» و«الشارع الأعظم». أما بالنسبة إلى فرقة الباليه فوقع اختياري على عرض «عصفور النار» للموسيقي الروسي إيجور سترافنسكي، لما يحمله هذا العمل من تطور وثراء ونضج تمثّل محطات هذا المبدع، وبمعنى أدق قمة طموحه. وبعدما قدمت حوالى ثلاثين عملاً متنوعاً للرقص المسرحي الحديث، يعد سترافنسكي المحطة الباقية في مشواري». لكن أليس مستغرباً أن يصمّم عوني الذي صنع مجده من خلال الرقص الحديث، باليه لفرقة كلاسيكية؟ أجاب مدافعاً: «أنا كلاسيكي من مدرسة موريس بيجار، ولهذا أعود إلى أصولي، ولكن من خلال رؤية جديدة تماماً في التناول. لن يكون هناك اعتماد إطلاقاً على التصميمات الشهيرة التي سبق أن قُدّمت لهذا العمل، بل سيكون السيناريو بطريقة مختلفة تعبر عن الموسيقي وعن التطور الذي دخل عالم الباليه الكلاسيكي ذاته منذ فوكين المصمم الأصلي للعمل وحتى الآن». ويشير خريج الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسيل، إلى أنه «على ثقة تامة بالفرقة التي ستعمل معه ومديرتها الفنانة أرمينيا كامل وجميع الراقصين والفنيين الذين يتمتعون بخبرة كبيرة جداً وسبق لهم أن قدموا أعمالاً حديثة وتعاملوا مع مصممين عالميين أمثال لوركا ماسيين وجريناتو جريكو، كما سبق أن قدموا لسترافنسكي باليه «طقوس الربيع» ولهذا هم على درجة عالية من التدريب والفهم». وعن تعاونه مع المايسترو ناير ناجي الذي يقود العمل للمرة الأولى، يقول: «ثقتي به كبيرة جداً لأنه متحمس جداً للعمل ويعيش فيه بشكل كبير، ما سينعكس على أدائه وتفسيره للموسيقى». وعن ملامح التصميم والديكور والإضاءة، يفيد: «أنا لست مصمم رقصات فقط بل مخرج العمل، بمعني أنني هنا أقدم تصوراً شاملاً لكل تفاصيله (ديكور وأزياء وإضاءة)، فالعمل ككل يميل إلى التجريد والبساطة وينتمي للنيوكلاسيك». نساء قاسم أمين أما بالنسبة إلى عرض «نساء قاسم أمين»، فيؤكد عوني أنه سيُدخل إضافات عليه، خصوصاً ما تعرضت له المرأة في السنوات الأخيرة. ويضيف: «لدي فكر جديد وربما إضافة في الرؤية التقنية أيضاً». أما عرض «الشارع الأعظم» الذي يصفه عوني ب «الأثري»، فهو يرى أنه لا وجوب لتغييره إذ يحكي عن تاريخ شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يعدّ أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم. لكن مهمة عوني هنا تتمحور حول إعادة تقديم العرض «بشكل تقني جيد». ويتمنى عوني الحائز وسام الشرف برتبة فارس من الحكومة اللبنانية ووسام الأدب والفن من الحكومة الفرنسية، إعادة تقديم «سقوط إيكاروس» وهو من أوائل أعماله الفنية، «لأنه تحدث عما يحصل الآن في المنطقة»، كما يقول. ويتمنى أيضاً إعادة تقديم عرض «الأفيال تختبئ لتموت». وعن سلسلة أعماله عن الأعلام المصريين، ودورها في مشواره الفني، يشير إلى أنها «علامات مضيئة وأعتز جداً بعروض «محمود مختار» و»شادي عبد السلام» و»تحية حليم»، هذه شخصيات اندمجت معها فنياً وإنسانياً عشت معها ومع سيرتها، واكتشفت عظمة مصر من خلالها. ومن أعمالي التي أعتز بها أيضاً «مئوية الفنون الجميلة». وأسف لأن الفرصة لم تسنح للجمهور المصري لرؤية عرض «بوابة الشرق» الذي عرض في إيطاليا في 2011 بعدما قدّم عوني استقالته. والسؤال يبقى أين كان وليد عوني منذ 2011؟ وماذا كان يفعل خلال هذه السنوات الأربع؟ يجيب: «من ناحية الإبداع صممت عرض «أليس في بلاد العجائب»، لكن الأهم أنني تجولت في معظم بلدان العالم: معظم مدن أوروبا وعدد كبير من الولايات الأميركية، وتعرفت في شكل مباشر إلى مراحل التطور في مجال التصميم». ويضيف: «كان اختياري في لجنه تحكيم في أحد مهرجانات مومباي لمناسبة مرور 100 سنة على السينما الهندية، فرصة لأمكث لمدة شهرين هناك، قمت خلالها بجولة في القارة الهندية وكانت رحلة ثرية أعتقد من دون شك أنها ستنعكس على أعمالي المقبلة». كما شارك عوني في اختبارات الراقصين في مسرح البحرين الذي يعتبره «من أعظم المسارح لأنه من تصميم المعماري الفرنسي الشهير جون نوفيل». وعن جولاته وزياراته وتعرفه إلى حضارات أخرى ومراحل تطور الفن الذي يقدمه، وهل يفكر في أن يعيد النظر في أعماله؟ يجيب: «أنا راضٍ عما قدمته وكل عمل له مرحلته، لكن هذا يفيدني في إبداعات جديدة، وليس هذا فقط، بل يكون محفزاً للفكر يساعد على توليد أفكار جديدة».