رحلت أول من أمس، مصمّمة الرقص والمخرجة والراقصة الألمانية بينا باوش، التي تعتبر من أهم رموز الرقص في القرن العشرين والتي سُمّيت مرحلة الثمانينات باسمها. توقّف قلب صاحبة «مقهى موليير»، بعد خمسة أيام من إعلان إصابتها المفاجئة بالسرطان، عن عمر 68 سنة. مع العلم أن الموت لم يكن في وارد تلميذة معلّم مصمّمي الرقص التعبيري الألماني كورت جوسّ. فكانت عروضها التي تعتبر كاملة من حيث تصميم الرقص والديكور والموسيقى والألوان، تُعطي فكرة عن عشق باوش الحياة الصاخبة، على رغم أنها كانت إنسانة منزوية ووحيدة في حياتها اليومية. كانت باوش مهووسة بالكثافة الدرامية والتعبير وترجمة ما يجول في داخل الشخص عبر حركات الجسد. وجدّدت في الرقص الحديث في ألمانيا ما بعد الحرب، وكانت عروضها من أهم «صادرات» الثقافة الألمانية الى العالم، إذ طافت مختلف بلدان العالم، خصوصاً فرنسا حيث يستقبلها «مسرح المدينة» في باريس سنوياً لتعرض آخر أعمالها الراقية. لم تزر باوش العالم العربي قط، على رغم وجود جيل كامل من محبي الرقص الذين يتابعون أعمالها في الخارج أو عبر الشاشة الصغيرة، ويتوقون الى رؤية عروضها في بلادهم. وكانت زيارة باوش الى العالم العربي تمثّل حلماً بالنسبة لها، على ما أكد مصمّم الرقص اللبناني المصري وليد عوني. وكان الحلم سيتحقّق لتأتي الى القاهرة في تشرين الأول (أوكتوبر) المقبل، لتقديم عرضي «مومباي» و«طقوس الربيع» على مسرح دار الأوبرا بالتعاون مع عوني. ويؤكد رئيس مهرجان الرقص الحديث في القاهرة، أن صديقته التي تأثّر بأعمالها، كانت تنوي الإقامة في مصر لمدة طويلة لا تقلّ عن شهر كامل، لتصميم عرض عن بلاد الفراعنة، كما فعلت في الهند وغيرها. لكن الموت خطف باوش وخطف الحلم، يقول عوني وتختفي كلماته في حنجرته... أثّرت باوش بكثير من الراقصين ومصممي الرقص الحديث والمعاصر، فهي بحسب عوني مؤسِسة ثورة الرقص بعد الفرنسي موريس بيجار. «أخذت الرقص من المعاصر الى المسرحي الحديث أي ما يُسمى «tranztheatre». وأدخلت المجتمع بكل حالاته وتجلياته وثقافاته الى الرقص». وكما «كان الفضل لبيجار في إدخال النمط الشعبي الى الخشبة، كان الفضل لباوش بإدخال العلاقات الانسانية وحرية الابداع الفكري الى الخشبة»، يقول عوني. وتميّز أسلوب باوش في العمل على الشخصية كي تُخرج من عمقها حركات الجسد. وكانت عروضها تحمل كثافة درامية وقوّة في السينوغرافيا والمسرح والفضاء والإضاءة، كما كانت ذكية في اختيار الفكرة وتناولها واختيار المكان الذي تدور حوله القصة. ويعتبر عوني أن باوش «كانت ترسم الحياة من زاوية غير اعتيادية على الخشبة». ويتّفق عوني مع الراقصة والمصمة اللبنانية نادرة عساف في أن باوش انطلقت من قاعدة الرقص الأكاديمي وليس النظري، وهي صاحبة نظرية أن كل جسد يمكنه أن يرقص.