وقف نبيل حنا يرتب ملابس ابنته جاكلين عند بوابة كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية القاهري قبل ساعات من بدء قداس عيد الميلاد الذي ترأسه البابا تواضروس الثاني وسط إجراءات أمنية مشددة، وحضور مسؤولين وشخصيات سياسية. ويبدي حنا مزيجاً من الأسى والضيق على أحوال مصر يتكرر في عبارات مواطنيه على اختلاف أديانهم: «الوضع الاقتصادي والأمني يزداد صعوبة... صعدت أحلامنا بعد الثورة إلى عنان السماء، لكننا سرعان ما هوينا على الأرض... يبدو أن شعارات عيش حرية عدالة اجتماعية باتت بعيدة المنال، سنصلي من أجل مصر وندعو الله أن يفك كربها». لكن المهندس في إحدى شركات البترول لم ينس أيضاً أن يعبر عن المتاعب التي يعانيها أبناء طائفته. ويقول ل «الحياة»: «مر علينا عام صعب، ولا نشعر بالخير في العام الجديد. نشعر وكأننا غرباء في وطننا، وهذا ما لم نعتده في مصر». ويضيف: «أشعر بمزيد من القلق على مستقبل جاكلين. لا أخفي سراً أنني أبحث عن فرصة عمل في الخارج حتى تتضح الصورة». وبدأ الأقباط في مصر احتفالاتهم بعيد الميلاد وسط أجواء مفعمة بالاحتقان والقلق من المستقبل كرسها الصعود السياسي للإسلاميين. وترأس بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني أول قداس بعد تجليسه خلفاً للبابا الراحل شنودة الثالث، وحضر القداس عدد من الوزراء والمسؤولين، وأوفد الرئيس محمد مرسي رئيس ديوانه السفير رفاعة الطهطاوي، كما حضرت شخصيات سياسية وعامة الاحتفالات التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة. ورغم تكرار مرسي تصريحاته لطمأنة الأقباط إلى أنهم «شركاء في الوطن»، إلا أن مواقف حلفائه تسكب الزيت على نار القلق القبطي، وآخرها فتوى «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تضم في عضويتها نائب مرشد «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر وكبار دعاة الجماعة والتيار السلفي بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم. وأكد بطريرك الأقباط في لقاء تلفزيوني مساء أول من أمس أن تلك الفتوى «أصابتنا بطعنة في قلوبنا»، داعياً إلى الرد عليها وعدم التعامل مع المروجين لها. وقال إن «الفتوى بعدم المعايدة على الأقباط أمر يمثل جرحاً كبيراً لنا». وأضاف أن «المجتمع لابد من أن يقول لأي شخص يحرم معايدة الأقباط: عيب... وعلى الأقل أصمت». وأضاف أن «من يشوه صورة المجتمع ومن يقصي الآخر، لابد من ألا يتعامل الإعلام معه». ورأى أن «المخاوف التي يشعر بها بعضهم هي مسؤولية المجتمع، ويجب أن تكون الرسائل التي تقدم لنا رسائل طمأنينة»، مشيراً إلى أن «جمال مصر في تنوعها ويجب أن نحرص عليه جميعاً». وأشار إلى أن «مواد الدستور لم تأخذ ما تستحقه من مناقشات مجتمعية للوصول إلى اتفاق كامل حولها... بعض المواد كانت تسبب إشكالية عند الأقباط». وأضاف أن «الدستور هو المخزن الذي نستمد منه كل حياتنا كمجتمع، لذلك حينما أضع دستوراً في بلد لابد من أن أضعه تحت روح المواطنة، دستور يجمعنا أننا مصريون». وأوضح أن «الكنيسة انسحبت (من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور) نتيجة لعدم وجود حوار كاف حول مواد الدستور... والأمور تمت على عجل وعدم احترام للرأي الآخر، وشيء طبيعي أن يحصل الانسحاب». وقال: «لا نطلب تمييزاً وإنما نطالب بحقوقنا كمصريين». وضرب مثالاً على التضييق الذي يعانيه الأقباط بأن «بناء مسجد لا يحتاج إلى أكثر من شهر فيما إذا أردنا بناء كنيسة في إحدى المناطق ندخل في غياهب البيروقراطية الإدارية، ونحتاج للانتهاء من التراخيص سنوات طويلة». وبعد تصريحات البابا، بعث مرشد «الإخوان» محمد بديع أمس ببرقية تهنئة إليه عبر فيها عن «أطيب التهاني القلبية بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام. السلام لغبطتكم ولجميع إخواننا المسيحيين». كما بعث الرئيس برقية مماثلة أعرب فيها عن «أصدق تهانيه وأطيب تمنياته للبابا ولجميع الإخوة الأقباط بموفور الصحة ولوطننا مصر بدوام العزة والتقدم». وبعث رئيس الوزراء هشام قنديل هو الآخر ببرقية تهنئة، قال فيها: «يسرني أن أبعث إلى قداستكم وإلى جميع الأخوة الأقباط بأخلص التهاني القلبية مقرونة بأطيب التمنيات لمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد... وإذ انتهز هذه المناسبة، أدعو الله عز وجل أن يعيدها على قداستكم بموفور الصحة والسعادة وعلى وطننا المفدى بالخير واليمن والسلام، وكل عام وقداستكم بخير».