قدم الرئيس بشار الأسد أمس أفكاراً ل»حل سياسي» للأزمة في سورية منذ 21 شهراً تتألف من ثلاث مراحل تبدأ ب»التزام» الدول المعنية والدولية ب»وقف تمويل وتسليح وإيواء المسلحين» قبل وقف القوات المسلحة عملياتها مع إطلاق «الحكومة القائمة» لحوار ومؤتمر حوار وصولاً إلى «ميثاق وطني» وإمكانية تعديل قوانين وطرح الدستور للاستفتاء تمهيداً ل»انتخابات برلمانية حديدة» تشكل بعدها حكومة جديدة وتعقد مؤتمراً للمصالحة مع عفو عام وإعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية. وأوضح الأسد أن «أي مبادرة تطرح من قبل أي جهة أو شخصية أو دولة يجب أن تستند إلى الرؤية السورية وهذا يعني أنه لا توجد مبادرة تحل محل ما يمكن أن نراه نحن كحل للأزمة في سورية»، قائلاً إن «أي انتقال بالنسبة لأي مرحلة انتقالية يجب أن يكون عبر الوسائل الدستورية». وتابع :» بالنسبة لنا الآن ما نقوم به، هذه الأفكار بالنسبة لنا هي المرحلة الانتقالية»، لافتاً إلى ضرورة توافر شريك سياسي ذلك «أننا لم نر شريكاً خلال المرحلة الماضية» لكن الأسد اكد أن هذه المبادرة «لا تعني على الإطلاق التهاون في موضوع مكافحة الإرهاب»، قائلاً:»نحن أمام حالة حرب بكل ما تحمل الكلمة من معنى، نحن الآن نصد عدواناً خارجياً شرساً بشكل جديد وهذا النوع من الحروب هو أشد فتكاً وأكبر خطراً من الحروب التقليدية»، محذراً من أن «هناك من يسعى لتقسيم سورية وآخرين يسعون لإضعافها». وأفاد ما «تسمعونه أو سمعتموه في الماضي من مصطلحات وأفكار وآراء ومبادرات وتصريحات عبر الإعلام ومن مسؤولين، لا تهمنا إذا كانت مصطلحات ذات منشأ ربيعي. فهي فقاعات صابون كما هو الربيع عبارة عن فقاعة صابون ستختفي». وكان الأسد يتحدث في خطاب ألقاه في احد مدرجات دار الأوبر في ساحة الأمويين وسط دمشق بحضور أعضاء الحكومة الحالية، قائلاً إن «المشاعر والعواطف من ألم وحزن وتحد وإصرار هي طاقة جبارة، لن تخرج سورية من محنتها، إلا بتحويل هذه الطاقة إلى حراك وطني شامل ينقذ الوطن من براثن هجمة لم نشهد أو نتذكر لها مثيلاً في تاريخ هذه المنطقة» ذلك أن «الحراك الوطني هو البلسم الوحيد للجروح العميقة التي أصابت أنسجة مجتمعنا وكادت أن تمزقه، هو الوحيد القادر على إبقاء سورية جغرافياً وجعلها أقوى سياسياً واسترجاعها اجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً». وتابع :»لأن كثيرين سقطوا في فخ ما تم تصويره لهم على أن الصراع هو بين حكم ومعارضة أي صراع على كرسي ومنصب وسلطة، فقد ابتعدوا والتزموا الصمت والحيادية»، مؤكداً أن «الصراع بين الوطن وأعدائه بين الشعب والقتلة المجرمين بين المواطن وخبزه ومائه ودفئه ومن يحرمه من كل ذلك بين حالة الأمان التي كنا نتغنى بها وبث الخوف والذعر في النفوس». وزاد :»في البداية أرادوها ثورة مزعومة، فثار الشعب عليهم حارماً إياهم من حاضنة شعبية أرادوا فرضها بالمال والإعلام والسلاح خفية وعندما فشلوا انتقلوا إلى المرحلة الثانية فأسقطوا أقنعة «السلمية» وكشفوا الغطاء عن السلاح الذي كانوا يستعملونه منذ البداية خفيةً فرفعوه علناً»، مضيفاً:»يسمونها ثورة وهي لا علاقة لها بالثورات لا من قريب ولا من بعيد.. الثورة بحاجة لمفكرين. الثورة تبنى على فكر، فأين هو المفكر؟ من يعرف مفكراً لهذه الثورة؟ الثورات بحاجة لقادة، من يعرف من هو قائد هذه الثورة؟ الثورات تبنى على العلم والفكر لا تبنى على الجهل، تبنى على دفع البلاد إلى الأمام لا إعادتها قروناً إلى الوراء، تبنى على تعميم النور على المجتمع لا على قطع الكهرباء عن الناس. الثورة عادة ثورة الشعب لا ثورة المستوردين من الخارج لكي يثوروا على الشعب.. هي ثورة من أجل مصالح الشعب ليست ضد مصالح الشعب فبالله عليكم هل هذه ثورة وهل هؤلاء ثوار إنهم حفنة من المجرمين». «الفكر التكفيري» وأضاف الأسد:» خلف كل ذلك كان التكفيريون يعملون في الصفوف الخلفية عبر عمليات التفجير والقتل الجماعي.. تاركين العصابات في الواجهة.. داعمين لها من الخلف.. وكلما كان الجيش والشعب يداً بيد يصد قتلهم وإجرامهم كانوا يقتربون من الانهيار. عندها لم يجد التكفيريون بداً مما ليس منه بد فانتقلوا للقتال في الصفوف الأمامية واستلموا دفة سفينة الدم والقتل والتنكيل.. ولأن الفكر التكفيري فكر دخيل على بلادنا كان لابد من استيراده من الخارج أفراداً وأفكاراً. وهنا انقلبت المعادلة.. تكفيريون..إرهابيون..قاعدة... يسمون أنفسهم جهاديين جاؤوا من كل حدب وصوب.. يقودون العمليات الإرهابية على الأرض وأما المسلحون وبعد فشلهم نقلوا إلى الصفوف الخلفية كمساعدين بأعمال خطف ونهب وتخريب.. خدم.. وبأحسن الأحوال أدلاء.. جواسيس على أبناء جلدتهم لصالح تكفيريين قتلة لا يتكلمون لغة سوى لغة الذبح وتقطيع الأوصال». وأشار إلى أن «القوى الغربية لكي تقوم بنقل العدد الأكبر الممكن إلى سورية لتحويل سورية إلى أرض الجهاد وبالتالي يتخلصون من خصمين مزعجين بنفس الوقت. يتخلصون من الإرهابيين ويضعفون سورية العقدة المزعجة بالنسبة للغرب». وتناول البعد الإقليمي للأزمة، قائلاً إن :»هناك من يسعى لتقسيم سورية وآخرين يسعون لإضعافها، بعضها يمد المجرمين بالمال والسلاح والبعض الآخر بالدعم والتدريب. دول عدوة بنيت على الاحتلال والعدوان لا نستغرب ما قامت وما تقوم به. ودول جارة جارت على سورية وشعبها لتضعفه وتهيمن عليه. ودول بحثت عن موقع لها في تاريخ لا تمتلكه.. فكتبته بدماء الأبرياء من الشعب العربي.. والسوري تحديداً. لكن سورية وشعبها أقوى وأصلب، ويعدهم بأنه لن ينسى». وأشار إلى أن بعض الدول في العالم أراد «استغلال أحداث داخلية لإخراج سورية من المعادلة السياسية للمنطقة». وأشار الرئيس السوري إلى أن الخلاف في سورية لم يكن بين المعارضة والموالاة لأنه «عندما يصبح جزء من الداخل مسيراً ومرتبطاً بالخارج فالصراع هنا بين الداخل والخارج، بين استقلال الوطن والهيمنة عليه، بين بقائه سيداً حراً واحتلاله من الخارج سياسياً. وهنا تتحول القضية إلى الدفاع عن الوطن برمته ويتوحد الجميع ضد العدوان الآتي من الخارج بأدواتٍ بعضها داخلي.. لذلك عندما نقول معارضة خارجية أو أي كلام مشابه لا نقصد المكان الذي يقطن فيه هؤلاء الأشخاص وإنما نقصد المكان الذي وضعوا فيه قلبهم وعقلهم.ارتباطهم ورهانهم.. والأهم تمويلهم.. هذا ما نقصده بالخارج سواء كان يقطن بالداخل أو بالخارج فهناك أشخاص يقطنون في الخارج ولكن يدافعون عن بلدهم». وتناول الإصلاح، قائلاً إن «الإصلاح من دون أمان كالأمان من دون إصلاح، لا ينجح أحدهما من دون الآخر»، مؤكداً أن «الإصلاح والسياسة بيد والقضاء على الإرهاب باليد الأخرى» وأنه «إذا كنا اخترنا الحل السياسي وسعينا إليه منذ الأيام الأولى فلا يعني ألا ندافع عن أنفسنا. وإذا كنا اخترنا الحل السياسي منذ الأيام الأولى فهذا يعني أننا بحاجة لشريك قادر وراغب في السير في عملية سياسية والدخول في عملية حوار على المستوى الوطني، وإذا كنا اخترنا الحل السياسي ولم نر شريكاً فهذا لا يعني أننا لم نرغب.. هذا يعني أننا لم نر شريكاً خلال المرحلة الماضية». كما اكد أن الحل في سورية «يجب أن يكون حلاً شاملاً وفيه محاور، فيه السياسي ومكافحة الإرهاب وفيه محور ثالث مهم جداً هو الحل الاجتماعي» وأنه «سنحاور ونمد يدنا دائماً وأبداً للحوار. سنحاور كل من خالفنا بالسياسة، وكل من ناقضنا بالمواقف من دون أن يكون موقفه مبنياً على المساس بالمبادئ والأسس الوطنية.. سنحاور أحزاباً وأفراداً لم تبع وطنها للغريب.. سنحاور من ألقى السلاح لتعود الدماء العربية السورية الأصيلة تسري في عروقه.. وسنكون شركاء حقيقيين مخلصين لكل وطني شريف غيور يعمل من أجل مصلحة سورية وأمانها واستقلالها». وبعدما طرح رؤية سياسية (نصها في مكان آخر في الصفحة)، اكد انه بالنسبة ل «مكافحة الإرهاب لن نتوقف طالما يوجد إرهابي واحد في سورية وما بدأنا به لن نتوقف عنه فأي شيء نقوم به في هذه المبادرة لا يعني على الإطلاق التهاون في موضوع مكافحة الإرهاب، بل على العكس كلما تقدمنا في مكافحة الإرهاب كانت هناك إمكانية لنجاح هذه الرؤية». وأضاف أن الرؤية «ليست موجهة لمن لا يريد أن يحاور» وأن «أي مبادرة تطرح من قبل أي جهة أو شخصية أو دولة يجب أن تستند إلى الرؤية السورية وهذا يعني أنه لا توجد مبادرة تحل محل ما يمكن أن نراه نحن كحل للأزمة في سورية.. بمعنى أوضح أي مبادرة هي مبادرة مساعدة لما سيقوم به السوريون ولا تحل محلها.. وبعد طرح هذه الأفكار من قبل الحكومة يجب أن تكون أي مبادرة تأتي من الخارج مستندة إلى هذه الأفكار ومساعدة لها ولا داعي لأن نضيع وقتنا ووقت الآخرين بمبادرات تخرج عن هذا السياق». «ورقة جنيف» وتطرق الأسد إلى إعلان جنيف الصادر في نهاية حزيران (يونيو)الماضي، قائلاً:»لا نقبل بأي تأويل لهذه المبادرات إلا بالطريقة التي تخدم المصلحة السورية. وفي هذا الإطار أتحدث عن مبادرة جنيف التي أيدتها سورية ولكن كان فيها بند غامض هو بند المرحلة الانتقالية. طبعاً هو غير مفسر لسبب بسيط. لأننا عندما نتحدث عن مرحلة انتقالية فأول شيء نسأله انتقال من أين إلى أين؟ أو من ماذا إلى ماذا.؟ أن ننتقل من بلد حر مستقل إلى بلد تحت الاحتلال مثلاً؟ هل ننتقل من بلد فيه دولة إلى بلد ليس فيه دولة وحالة فوضى مطلقة؟ أم هل ننتقل من قرار وطني مستقل إلى تسليم هذا القرار إلى الأجانب؟». وقال :»بالنسبة لنا في مثل هذا الظرف المرحلة الانتقالية هي الانتقال من اللااستقرار إلى الاستقرار وأي تفسير آخر لا يعنينا.. أما في الأحوال الأخرى لو لم يكن هناك أزمة فالانتقال الطبيعي هو من وضع إلى وضع افضل.. هذا يأتي في سياق عملية التطوير وأي انتقال بالنسبة لأي مرحلة انتقالية يجب أن يكون عبر الوسائل الدستورية فبالنسبة لنا الآن ما نقوم به.. هذه الأفكار بالنسبة لنا هي المرحلة الانتقالية». وأضاف :»إن أي تفسيرات لأي موضوع يخرج عن السيادة السورية بالنسبة لنا هو عبارة عن أضغاث أحلام». ووجه الأسد، وسط هتافات بينها «الله، سورية، بشار وبس» تكررت خلال الكلمة «تحية لأصحاب الحق الأكبر بالتحية، رجال الجيش العربي السوري» وإلى «كل فلسطيني شريف في سورية صان العهد وقدر المواقف السورية وتآخى بالدم والمصير مع أخيه السوري ولم يعامل سورية كفندق للاستجمام يغادره حينما تشتد الظروف». مراحل الحل قدم الرئيس السوري في كلمته أمس «الملامح الأساسية» لمبادرة تتألف من ثلاث مراحل لحل الأزمة السورية المستمرة منذ 21 شهراً. هذه بنودها ومراحلها: المرحلة الأولى: أولاً، تلتزم الدول المعنية الإقليمية والدولية بوقف تمويل وتسليح وإيواء المسلحين بالتوازي مع وقف المسلحين كافة العمليات الإرهابية مما يسهل عودة النازحين السوريين إلى أماكن إقامتهم الأصلية بأمن وأمان. بعد ذلك مباشرة يتم وقف العمليات العسكرية من قبل قواتنا المسلحة التي تحتفظ بحق الرد في حال تعرض أمن الوطن أو المواطن أو المنشآت العامة أو الخاصة لأي اعتداء. ثانياً، إيجاد آلية التأكد من التزام الجميع بالبند السابق وبخاصة ضبط الحدود. ثالثاً، تبدأ الحكومة القائمة مباشرة بإجراءات اتصالات مكثفة مع كافة أطياف المجتمع السوري بأحزابه وهيئاته لإدارة حوارات مفتوحة لعقد مؤتمر للحوار الوطني تشارك فيه كل القوى الراغبة بحل في سورية من داخل البلاد وخارجها. المرحلة الثانية: أولاً، تدعو الحكومة القائمة إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل للوصول إلى ميثاق وطني يتمسك بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها ورفض التدخل في شؤونها ونبذ الإرهاب والعنف بكافة أشكاله. هذا الميثاق هو ما سيرسم المستقبل السياسي لسورية. ثانياً، يعرض الميثاق الوطني على الاستفتاء على الشعب. ثالثاً، تشكل حكومة موسعة تتمثل فيها مكونات المجتمع السوري وتكلف بتنفيذ بنود الميثاق الوطني. رابعاً، يطرح الدستور على الاستفتاء الشعبي. وبعد إقراره تطرح الحكومة الموسعة باعتماد القوانين المتفق عليها في مؤتمر الحوار وفق الدستور الجديد ومنها قانون الانتخابات وبالتالي إجراء انتخابات برلمانية جديدة. المرحلة الثالثة: أولاً، تشكل حكومة جديدة وفقاً للدستور. ثانياً، عقد مؤتمر عام للمصالحة الوطنية وإصدار عفو عام عن المعتقلين بسبب الأحداث مع الاحتفاظ بالحقوق المدنية لأصحابها. ثالثاً، العمل على تأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار والتعويض على المواطنين المتضررين بالأحداث.