حلّت المواجهة العسكرية في منطقة عرسال وجرودها مكان التفاوض على إخلاء العسكريين ال26 المحتجزين لدى «داعش»و»جبهة النصرة»، بعد استهداف الجيش اللبناني بعبوة ناسفة أدت إلى استشهاد جنديين أول من أمس، وبعد تأكد نبأ إعدام «النصرة» أحد الجنود اللبنانيين المحتجزين لديها، محمد حمية أمس، وتهديدها بأن الجندي علي البزال هو التالي الذي «سيدفع الثمن» متهمة الحكومة اللبنانية ب»المماطلة» في تنفيذ مطالبها. ودبت فوضى الخطف على الهوية في البقاع نتيجة ردود الفعل الانفعالية على إعدام الجندي حمية، حيث أُبلغ ليلا عن خطف 5 أشخاص من آل فليطي والحجيري من عرسال، على طريق قرى اللبوة - النبي عثمان - البزالية المؤدية إليها، بعدما حمل آل حمية عائلات من عرسال مسؤولية إعدام إبنهم من قبل «النصرة». كما خطف مسلحون ملثمون شخصا من آل البريدي (من عرسال) في منطقة الأوزاعي (عاد الجيش فحرره) في بيروت، التي شهدت قطعاً لطريق المطار لبعض الوقت من أهالي العسكريين المخطوفين. كذلك طريق الشويفات - الحدث في ضاحية العاصمة، على رغم أن والد حمية ناشد الأقارب والمحبين عدم قطع الطرقات والتعرض للنازحين السوريين. (للمزيد) واستبق زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ردود الفعل المذهبية على استشهاد الجندي حمية بإصدار بيان مساء، حذر فيه من «أن المجموعات الإرهابية التي تتخذ من خطف أبنائنا العسكريين وسيلة للضغط على الحكومة والدولة والجيش، تريد للمسلمين في لبنان أن يسقطوا في الفتنة، وأن يتبارزوا في التحريض على إثارة المشاعر والعصبيات، وهو ما يجب أن يحملنا على التنبه والوقوف وراء الجيش والقوى الأمنية في ملاحقة بؤر الارهاب والتطرف وتفويت الفرصة على المتلاعبين بوحدة اللبنانيين والنافخين في رماد الفتنة». وكان رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أعلن بلهجة حاسمة، قرار المواجهة مع «العدو التكفيري اللاإنساني» في تصريح له بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري بعد الظهر،معتبراً أن «المفاوضة تبدأ من إيقاف القتل»، فيما شددت قيادة الجيش اللبناني في بيان لها على استمراره في «إجراءاته الميدانية المشددة وتأمين حسن سير مهماته الأمنية وتمسكه بحقه في استخدام الوسائل المتوافرة لديه». وأكدت القيادة أن الجيش «لن يتهاون مع الجماعات الإرهابية أينما وجدت على الأراضي اللبنانية، ومهما بلغت التضحيات». وقالت مصادر أمنية أن الجيش واصل أمس قصفه في شكل مركز من محيط عرسال مواقع المسلحين السوريين في جرودها. وقالت مصادر في عرسال ل»الحياة» أن القصف لم يتوقف أمس. وأعلنت قيادة الجيش أن قواته «نفذت رمايات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة ضدّ عددٍ من مراكز وتحصينات الجماعات الإرهابية الموزّعة في جرود المنطقة، وحققت خلالها إصابات مباشرة، أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الإرهابيين». وأعلنت جبهة «النصرة» ليلاً، أنه «في حال لم يتوقف القصف على جرود عرسال عند الفجر من قبل الجيش اللبناني وحزب الله، فإن المعركة هذه المرة ليست كسابقتها، والثمن سيكون غالياً». وكانت المداهمات التي نفذها الجيش أول من أمس واليوم في عرسال ومخيمات النازحين بعد تفجير عبوة ناسفة في شاحنة للجيش، أدت إلى توقيف ما يقارب 220 شخصاً معظمهم سوريون. وقالت مصادر أمنية ل»الحياة» أن هؤلاء أوقفوا في مخيمات محيطة بمراكز الجيش وقريبة من موقع الانفجار الذي استهدف دورية له وسيخلى سبيل معظمهم تباعا بعد التثبت من أوضاعهم. وذكرت المصادر أن الجيش «لم يعد مستعداً للقبول باستنزافه. وهو لم يكن اتخذ أي إجراءات حين أعدموا الجنديين علي السيد وعباس مدلج ثم زرعوا العبوة التي سببت استشهاد الجنديين محمد ضاهر وعلي الخراط (شيعا أمس في عكار وصيدا) أول من أمس ثم حين أعدموا الجندي حمية». وقالت مصادر حكومية ل»الحياة» أن إعلان سلام المواجهة مع المسلحين السوريين يعود إلى اقتناعه بأن التفاوض معهم على إخلاء العسكريين كان يجري في ظل استمرارهم في القتل وهم رفضوا الالتزام بشرط وقفه لتستمر العملية التفاوضية. وأضافت: «مضى شهر ونصف الشهر على احتجازهم العسكريين ونحن نسعى للتفاوض ونبقي على الخيارات كافة مفتوحة ولا يمكن القبول بأن يتسببوا بفتنة بين اللبنانيين عن طريق مواصلتهم الإعدامات للجنود». وأوضحت المصادر «أن الوسيط القطري لم يأت إلى لبنان أول من أمس كما كان مقرراً لكنه أبلغ الجانب اللبناني أن «النصرة» أعلمته أول من أمس بأنها ستباشر إعدام العسكريين إذا لم تنفذ الحكومة مطالبها بالإفراج عن سجناء في سجن رومية، وإذا لم تفتح الطرقات التي أقفلها الجيش بين عرسال والجرود، فضلا عن مطالب أخرى». ورداً على سؤال عما إذا كانت المفاوضات توقفت، قالت المصادر أنها «علّقت ولا يمنع العودة إليها إذا أراد الفريق الآخر التصرف بعقلانية». وقالت مصادر عرسالية أن المفاوضات كانت متعذرة في الأيام الماضية لأن البلدة معزولة عن الجرود ولا يستطيع أي كان أن ينتقل إليها لمقابلة قادة المسلحين. وعلى خط التفاوض قال وزير الداخلية نهاد المشنوق الموجود في موسكو لمحطة «إم تي في» أنه سيسعى إلى تحريك المسعى التركي مع الخاطفين بعد الإفراج عن الرهائن الأتراك في العراق من قبل «داعش» وأنه سيتواصل لهذا الغرض مع رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. وقالت النصرة على «تويتر» في تغريدة «إلى الطائفة الشيعية وآل الجندي البزال» أنه «أحسنتم القول بأنكم لن تتعرضوا للاجئين السوريين. نتمنى أن نرى هذا عمليا وليس نظريا». وترأس سلام عصرا اجتماعاً أمنياً حضره الوزراء المختصون وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة سائر الأجهزة الأمنية قال بعده وزير الدفاع سمير مقبل: «قدم المسؤولون العسكريون والأمنيون تصورا متكاملا حول الأوضاع الميدانية في عرسال، وكان هناك تأكيد على ضرورة متابعة المواجهة التي يقوم بها الجيش اللبناني والقوى الأمنية ضد هذه القوى التكفيرية، ورفض الابتزاز والمساومة على بطولات الجيش وكرامة الوطن. واكد سلام للقادة العسكريين والأمنيين، ان الحكومة «تقف صفا واحدا وراء قواها العسكرية والأمنية، في معركة مفتوحة على كل الخيارات ومنع أي التباس حول هذه المواجهة العسكرية تحت وطأة التهديدات وتنفيذها التي عرقلت جهود التفاوض».وأضاف مقبل:» التوجيهات لقيادات الجيش والقوى الامنية باتخاذ كل التدابير الآيلة الى تطبيق الخطط العسكرية الموضوعة وعدم التهاون مع كل ما يهدد سلامة لبنان ومنطقة عرسال وجرودها.» وكان الحريري أكد أن «أحداً من اللبنانيين، في أي موقع كان، لا يمكن أن يجاري في الأسف والنقمة والوجع، نقمة ووجع الأمهات والآباء والأهل، تجاه استشهاد أولادهم وتلك القرابين التي يقدمونها في مواجهة الإرهاب وقوى الفتنة والضلال فداء للبنان وكرامته ووحدة بنيه». واعتبر أن «الجمرة لا تحرق إلا مكانها، كما يردد أهالي العسكريين المخطوفين،مهما عبرنا عن مشاعر الغضب والاستنكار وتكررت الدعوات الى التهدئة وضبط النفس». وإذ توجه «بأحرّ العزاء وأصدق عبارات التضامن،في هذه الساعات الحزينة، من أهلنا آل حمية، الذين يتوحدون في مسيرة التضحية مع الأخوة الكرام من آل السيد ومدلج(أعدمهما) والخراط وضاهر(استشهدا في تفجير أول من أمس في عرسال)، وعشرات الشهداء الأبطال الذين قضوا في معركة التصدي للإرهاب والمتلاعبين بوحدتنا الوطنية»،أكد أن اجتماعنا على درء الفتنة، مسؤولية تعلو على أي اعتبار آخر، بل هو واجب شرعي ووطني، لا مفر أمامنا جميعا من الدعوة إليه والالتزام به». وزار منزل الجندي الشهيد حمية رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» وناشد «كل الشعب بأن الفتنة تحرق الجميع وعلينا أن نتوحد ولن نترك أسرانا وسنثأر لشهدائنا مهما طال الوقت». وشدد رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط خلال جولة له في منطقة العرقوب وحاصبيا على الحاجة إلى احتضان الجيش والمؤسسات الأمنية مؤكدا أنه لن تحدث فتنة في المنطقة طالما تمتع أبناؤها بالوعي الوطني والعربي.