تشكّل الأكثرية الإسلامية والأقلية الكاثوليكية في ألبانيا، اللتان عانتا كثيراً من وطأة ديكتاتورية لا ترحم، نموذجاً مؤثراً للتعايش وتنتظران بفارغ الصبر زيارة البابا فرنسيس اليوم. وأكدّ أغيم ليكا (42 سنة) رئيس البلدية المسلم لقرية مالبرد التي تبعد 60 كيلومتراً شمال العاصمة تيرانا، أن «زيارة البابا مدعاة للافتخار لدى الألبان جميعهم، أياً يكن انتماؤهم الديني». وزاد الرجل المسؤول عن البلدة البالغ عدد سكانها حوالى 2500 شخص يشكّل المسلمون 90 في المئة منهم والكاثوليك 10 في المئة: «من دواعي سرورنا أن يختارنا البابا لزيارته الأولى في أوروبا، نحن البلد الصغير حيث تعيش مجموعة كاثوليكية صغيرة. ولأنه ثاني حبر أعظم يزورنا بعد يوحنا بولس الثاني في 1993، فهذا يحملني على القول إننا مميزون». ومن أجل الوصول إلى كنيسة القرية الصغيرة القابعة في أعلى الجبل، يتعيّن استخدام سيارة رباعية الدفع أو امتطاء حمار، أو الاستعانة بعصا لأن الطريق المتعرجة والوعرة، تحمل كل من يرغب في زيارتها على تغيير رأيه. ولا أحد في القرية يعرف من شيّد الكنيسة أو متى تم ذلك. لكنهم يُجمعون على أنها ترقى إلى القرون الوسطى، وأنها كانت خراباً أبان النظام الشيوعي خلال حكم أنور خوجا الذي أعلن البانيا في عام 1967 أول «بلد ملحد» في العالم. ودمّر النظام في تلك الفترة كنائس ومساجد كثيرة. وقال البابا فرنسيس أن 1820 كنيسة أرثوذكسية وكاثوليكية دمّرت. كما أعتقل كهنتها وأعدم بعضهم. وتوفي في السجن أساقفة وكهنة فرنسيسكان ويسوعيون كثر. وفي أعقاب سقوط الشيوعية، فاجأ مسلمو مالبرد السلطات الكنسية بطلبهم جميعاً من «إخوانهم» الكاثوليك، السماح بإعادة بناء الكنيسة في المكان عينه. وأوضح حيدر ليكا (77 سنة) الذي لا يزال رشيقاً على رغم تقدّمه في السن، «لم يأخذوا طلبنا على محمل الجد. ظنوا أننا نقوم بخطوة دعائية، لكننا كنا مصرين على إعادة بناء هذه الكنيسة في هذا المكان المقدس». وفيما كان أصدقاؤه المسلمون يحيطون به، دل الكاثوليكي نيكول جيني (60 سنة) الذي يحتفظ بحيويته الرياضية وكان يعمل في مجال الصناعة الكيماوية، على الكنيسة الجديدة التي تحميها أشجار سنديان عملاقة. وقال: «لولا مساعدتهم بمعدات البناء، ولولا مشاركتهم في الأعمال، لما كنا تمكّنا من إعادة بنائها». وتفيد آخر التقديرات أن المسلمين يشكّلون 56 في المئة من عدد السكان المقدّر بحوالى 3 ملايين ألباني، في مقابل 15 في المئة الكاثوليك، و11 في المئة الأرثوذكس. وفي كنيسة مالبرد، يحتفل الكاهن بالقداديس في الأعياد الكبيرة فقط، كالميلاد والفصح، لكن هذا «المكان المقدّس» يزود الكاثوليك بحيوية منقطعة النظير. ومن أجل الحفاظ على التوافق الطائفي، قرر سكان الجبل بحكمتهم الموروثة من الأجداد، أن تتولى الأكثرية المسلمة حماية الأقلية الكاثوليكية. وكشف حيدر الموظف السابق في السكك الحديد: «في قريتنا، عندما يتزوّج أحد، يقضي التقليد بأن ينتمي الشهود بالضرورة إلى الطائفتين». وفي درفن (20 كلم عن مالبرد) يسود الوضع ذاته. فقد ساعد المسلمون الكاثوليك على إعادة بناء كنيستهم التي دمّرها الشيوعيون في عام 1967. وقال الكاهن كارمين لوزي الذي يعنى منذ إرساله قبل 18 عاماً من باري في إيطاليا، ب500 عائلة كاثوليكية في البلدة، أن «مهمتي الأساسية هي تنقية الأرض الملوثة والمليئة بالسموم الناجمة عن الديكتاتورية والإلحاد» الشيوعيين. وخلص مضيفاً: «سنذهب الأحد (اليوم) جميعاً إلى تيرانا لحضور قداس الحبر الأعظم، وآمل من الذين لن يتمكنوا من الذهاب في أن يتابعوا وقائعه على شاشة التلفزيون».