ثمة كارثة إنسانية وحضارية وسياسية مقبلة، بلا ريب، على فلسطين. تتمثل في ان أرض المسيحية الاولى، قد تصبح خلال العقود القليلة المقبلة بلا مسيحيين، في حال استمرت معدلات الهجرة على حالها من حيث الارتفاع المتسارع نتيجة تضافر عوامل طرد سياسية واقتصادية. كانت نسبة المسيحيين في فلسطين الى مجموع السكان في سنة 1890 نحو 13 في المئة. لكن، مع بداية الانتداب البريطاني في سنة 1917 هبطت إلى 9,6 في المئة. وفي سنة 1931 صارت 8,8 في المئة. وفي سنة 1948 أصبحت نحو 8 في المئة. أما في سنة 2000 فبلغت نسبة المسيحيين في فلسطين قرابة 1,6 في المئة فقط، وهذه حال مروِّعة، فعددهم اليوم لا يتجاوز 165 ألفا، بينهم 114 ألفا في إسرائيل و50 الفا في الضفة والقطاع. وللمقارنة فقط، فقد كان عدد المسيحيين في سنة 1948 في الضفة الغربية وحدها 110 آلاف نسمة. ولو بقي هؤلاء في أرضهم لبلغوا المليون نسمة في سنة 2002. وعاشت في فلسطين جماعات مسيحية متعددة، وكانت أولى الكنائس الانجيلية ظهرت في القدس سنة 1831 بعد احتلال ابراهيم باشا المصري فلسطين. وتنقسم التجمعات المسيحية وفق المذاهب إلى: الأرثوذكسية والأرثوذكسية غير الخلقدونية والكاثوليك والبروتستانت. وتعتبر البطريركية الأرثوذكسية اليونانية نفسها الكنيسة الأم لجميع الكنائس في القدس بعدما منحها هذه الصفة مجمع خلقدونية عام 451. وقد انفصلت هذه الكنيسة عن روما عام 1054، وتعد الكنيسة الرئيسة حيث تضم نحو 120 ألف مسيحي أرثوذكسي من إجمالي 190 ألف مسيحي. إلى جانب الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية كنائس أرثوذكسية أخرى هي: الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الرومانية. وقد تأسست الروسية في القدس عام 1858، بينما نشطت الرومانية داخل القدس عام 1935. أما الكنائس غير الخلقدونية فتضم الأرمن والأقباط والأثيوبيين والسريان. ويرجع وجود الأرمن الأرثوذكس في القدس إلى القرن الخامس الميلادي. وخلال القرن التاسع عشر وأثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها نمت التجمعات الأرمنية في القدس بشكل غير مسبوق نتيجة المذابح التي تعرضوا لها خلال هذه الحرب في أرمينيا، فوصل عددهم في القدس قبل عام 1939 إلى ما يزيد عن 15 ألف شخص، واعتبروا ثالث أكبر تجمع مسيحي في فلسطين. وتتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بابا الأقباط في مصر. ويرجع تأسيس هذه الكنيسة في مصر إلى القرن الأول الميلادي. واليوم يضم التجمع القبطي الأرثوذكسي نحو 1000 شخص فقط يتركزون في القدس والناصرة وبيت ساليم. وتأسست الكنيسة الأرثوذكسية في القدس في أوائل القرن الرابع الميلادي. وتمتعت هذه الكنيسة بوضعية متميزة بالنسبة للخدمة قي الأماكن المقدسة المسيحية خلال فترة الحكم العثماني. وتضم حالياً عشرات الأشخاص يعملون في الأماكن المقدسة في القدس. ويعتبر العام 937 ميلادي عام تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية السورية في القدس، وأصبح لها مقر ورئيس في القدس منذ العام 1471. وتضم حالياً نحو 2000 شخص يعيش معظمهم في القدس وبيت ساليم. يعود ظهور التجمعات المسيحية البروتستانتية في الشرق الأوسط إلى أوائل القرن التاسع عشر، وكانت لها بعثة تبشيرية في القدس مهمتها إقناع اليهود وبعض المسلمين بالمسيحية إلا أنها لم تستطع جذب سوى بعض الأرثوذكس. وقد أنشئت الكنيسة الأنغليكانية في القدس عام 1841 وتم انتخاب أول رئيس عربي لها عام 1976 وتضم حالياً نحو 4500 شخص. أما الكنيسة اللوثرية في القدس فتعود إلى العام 1841 أيضاً، وذلك بعد اتفاق ملكة إنكلترا وملك بروسيا على إيفاد بعثة إلى القدس. ومنذ العام 1979 أصبح لهذه البعثة رئيس من المتحدثين بالعربية. ويضم التجمع اللوثري اليوم نحو 500 عربي و200 من ذوي الأصول الألمانية. وكانت تأسست في مدينة الناصرة في العام 1911 كنيسة البابتيست التي تضم حالياً 900 شخص يتحدث معظمهم العربية، إضافة إلى الكنيسة الاسكتلندية التي بدأت ببعثة عام 1840 ويتركز عملها في مجال التعليم والصحة. وتضم الكنيسة الكاثوليكية السورية التي تأسست عام 1663 نحو 350 شخصاً فقط. أما الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية التي تأسست عام 1741 بعد انشقاقها عن الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، ورئيسها كان في بيروت وعاد إلى القدس في العام 1842، وهي تضم اليوم نحو 900 شخص يقيمون في القدس وحيفا وقطاع غزة. أما الكنيسة القبطية الكاثوليكبة فأصبحت منذ العام 1955 تتبع البطريرك الكاثوليكي المصري. ويقيم في فلسطين نحو 30 ألف شخص من أتباع الكنيسة اللاتينية يتوزعون على كنائس عدة. الانتشار الماروني يتبع الكنيسة المارونية نحو 6700 شخص معظمهم في منطقة الجليل. وهناك مطران ماروني في القدس منذ العام 1895. وأخيراً، قدر رئيس أساقفة حيفا والأراضي المقدسة للموارنة المطران موسى الحاج عدد الموارنة في فلسطين بنحو 7500 نسمة، عدا اللبنانيين الذين تركوا بلدهم قسراً عام 2000 ويقدّرون ب 2500 نسمة. ولم يشكل الموارنة في الماضي والحاضر ثقلاً طائفياً كنسياً في فلسطين، إذ إن موطنهم الرئيس في لبنان، ويذكر المؤرخ كونيل وجود الموارنة في القدس خلال القرن التاسع عشر بقوله: «في القدس قلّة من الكاثوليك يتبعون الطقس الماروني ويصلّون في كنائس اللاتين». ويتكون الإكليروس الماروني في فلسطين من نائب بطريركي يقيم عادة في القدس منذ عام 1895، إضافة إلى رئيس أساقفة صور والأرض المقدسة ويقيم في صور. وفي عام 1996 رقّي الخوري بولس الصياح، إلى الدرجة الأسقفيّة على يد الكاردينال البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، بمشاركة مطارنة الكنيسة المارونية، في قداس احتفاليّ في بازيليك سيّدة لبنان – حريصا، ليتولّى رعاية أبرشيّة حيفا والأراضي المقدّسة، وعُيّن نائباً بطريركياً على مدينة القدس والأراضي الواقعة تحت السلطة الوطنية الفلسطينيّة وأراضي المملكة الأردنيّة الهاشميّة. وتعيش في القدس 44 عائلة مارونية، تقيم داخل أسوار البلدة القديمة بالقرب من باب الخليل. ويصل عدد الموارنة في حيفا الى 3500 نسمة، وهو أكبر حضور للموارنة في فلسطين. وتشير المصادر المارونية إلى أنهم قدموا إلى حيفا من لبنان عام 1677. وبحسب إحصاء أجرته حكومة الانتداب البريطاني عام 1945 بلغ عدد الموارنة في حيفا 4193. وفي عام 1948 لجأ 3569 منهم إلى لبنان وسورية والأردن ودول أخرى. وفي السنوات اللاحقة، وبسبب التكاثر الطبيعي ونزوح موارنة من قرى الجش وأقرت وكفر برعم والمنصورة في الجليل الفلسطيني الأعلى نحو حيفا أخذ عددهم في الازدياد. والعائلات المارونية في حيفا هي: جبران، سلامة، يعقوب، راشد، غنطوس، جبور، حلو، عقل، دكور، صافية، فرحات، ديبي، هاشول، طنوس، سوسان، خلول، زكنون، بطرس، عليمي، خليل، اندراوس، اسحق، زيناتي، دياب، عبدالله، أبو وردة، صادر، نصار، لحود، عتمة، سليمان، زهرة، مارون، فارس، سروع، مرشي، مغيزل، روزه، مطانس، شوفاني، سويد، شكري، مطر، أبو سنة، خوري، عبود، جريس، رشيد، عيس، مصلح، وبوباني. وتوجد للموارنة في حيفا كنيسة مار لويس الملك التي بنيت في سنة 1880 زمن السلطان عبدالحميد، وأول راعي لرعية حيفا هو الأب بولس كسّاب. أما موارنة عكا فقدموا إليها من لبنان في بداية القرن السادس عشر، وفي سنة 1741 أرسل الكاهن الشاب ميخائيل فاضل لخدمة الرعية في عكا من لبنان، فجمع العائلات المارونية التي كانت تتعبد في الكنيسة اللاتينية (الفرنسيسكان)، وشرع في بناء كنيسة تخصهم، دشنت سنة 1751، وتعرف باسم كنيسة السيدة الوردية. ويبلغ عدد الموارنة في عكا حوالى 300 نسمة، ومن العائلات المارونية في هذه المدينة: ساسين، مخول، عبادو، أبو ورده، فارس، ضو، حلو، وجبران. وكاهن الكنيسة هو الأب نائل حلو الذي تسلم المنصب عام 2003. ووفق الروايات المارونية فإن أول عائلة وصلت إلى الجش- قرية في شمالي فلسطين، مختلطة دينياً، عدد الموارنة فيها 2200 نسمة- من جبل لبنان هي عائلة «لحود»، ثم جاءت في أعقابها عائلات مارونية أخرى من جبل لبنان كعائلة جبران، الياس، عقل، علم، عبود، خريش وغيرها. والعائلات المارونية التي تسكن الجش اليوم هي: خريش، شولي، جبران، هاشول، علم، عقل، سليمان، ديب، ظاهر، يعقوب، لحود, زكنون, أبو فارس, مغيزل، عيس، خلول، زهرة، الياس، صادر، فرحات، اسمير، مارون، اندراوس، فارس، إبراهيم، مخول، مطانس، بطرس، جريس، طنوس، سوسان، فرح، شحادة، سروع، بوبان، حبيب، عبود، نجم، أيوب ومنصور. وللموارنة في الجش كنيستان: كنيسة السيدة وكنيسة مار مارون. ويسكن في قرية عسفيا نحو 2000 مسيحي، منهم 200 ماروني، قدموا عام 1890 من قرية صربا قرب صيدا في لبنان. وللموارنة في عسفيا كنيسة تحمل اسم كنيسة مار شاربل، ومن العائلات المارونية في عسفيا: مارون، و قعبور، وهلون. وكاهن القرية منذ عام 1986 هو الأب ناجي يعقوب. ويعد الموارنة أقدم سكان الناصرة المسيحيين، حيث استدعاهم الرهبان اللاتين من لبنان عام 1630 لمساعدتهم في تعمير الناصرة، واستعانوا بهم في بناء الدير والكنيسة. ويبلغ عددهم في الناصرة اليوم نحو ألف شخص، ويمارسون شعائرهم الدينية في كنيستين هما: كنسية الموارنة وكنيسة البشارة المارونية الجديدة. وتفيد صورة واقع الوجود المسيحي عموماً وعلى نحو خاص الماروني في فلسطين الانتدابية، التي يزورها بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للطائفة المارونية في لبنان بشارة الراعي الذي سيرافق البابا فرنسيس، أن الوظيفة الدينية - الرعوية لهذه الزيارة لا تلبي وحدها متطلبات استمرار الوجود المسيحي وعلى نحو خاص المسيحي الماروني، فمخاطر محاولات «أسرلة» المسيحيين وتجنيدهم في الجيش الإسرائيلي، وفبركة «قومية» مسيحية على غرار «القومية» اليهودية، من المخاطر الكبيرة المتوقعة. * كاتب فلسطيني