تتسابق خطوات الشباب نحو الجامعات طلباً في الحصول على «الشهادة» لتكون مسلكاً لهم في الحصول على «الوظيفة» التي تكسبهم لقمة العيش والهرب من شبح «البطالة»، إلا أن مفرح الصبيحي المقبل من جنوب المملكة إلى جدة كانت رغبته في الحصول على «الشهادة» وهو في عقده السادس لتكون مسلكاً له إلى «الجنة». زاحم الصبيحي الشباب في طريق العلم والبحث عن المعلومة في أروقة جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وهو في عمر ال67 عاماً، مبتدئاً بالسنة التحضيرية، ليس من أجل الوظيفة أو المنصب، وإنما من أجل العلم، متخذاً من الحديث النبوي «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» شعاراً له. تحولات عدة في حياة مفرح كادت تثني من عزيمته في مواصلة التعليم إلا أن «همته» ورغبته كانتا أقوى من كل الظروف، إذ يقول: «تربيت في بيئة لا تهتم بالعلم في محافظة البرك بمنطقة عسير، فكانت الزراعة شغلي الشاغل نتوارثها جيلاً بعد جيل، فأعمل طيلة النهار حتى ولوج الليل، وأخلد إلى النوم ليبدأ يوم جديد لا يختلف عن سابقه من كدٍ وعمل، إلا أن حب العلم ورغبة التعلم دفعني إلى الاستفادة من شيخ المسجد الذي كان يقرئنا القرآن فتعلمت على يده الكتابة والقراءة». لم يغب هاجس العلم عن بال مفرح الصبيحي حتى بعد زواجه، فكان اهتمامه بتعليم أبنائه وتوفير ما يؤويهم لمواصلة التعلم الأهم الأكبر بالنسبة له، إذ إن أكبر أولاده يعمل كاتب عدل في مدينة أبها، مضيفاً: «الحمد لله جميع أبنائي حاصلون على درجة البكالوريوس، وبعض من أحفادي في المرحلة الجامعية، فليس لدي ما يشغلني سوى مواصلة ما كنت أطمح إليه في طريق العلم والتعلم من المهد إلى اللحد». وبعد تأمين ما يلزم لأولاده، عاد إلى مواصلة التعلم وتحقيق الحلم الذي كان يراوده كل ليلة في شبابه بالتسجيل في مدرسة ابتدائية عام 1417ه ليتخرج في المرحلة الثانوية في عام 1432ه بنسبة 70 في المئة. «الهمم لا تشيخ» هذا ما قاله الصبيحي بعد فرحته بالقبول في برنامج الانتساب في جامعة الملك عبدالعزيز، التي زادت من معنوياته بعد هذا العمر، والإصرار على تحقيق الحلم بالتخصص في قسم الدراسات الإسلامية. وطالب الصبيحي جامعة الملك عبدالعزيز أن توفر برنامجاً لمن يريد أن يواصل تعليمه وهو في مرحلة متقدمة من العمر باستثنائهم من رسوم التسجيل في برنامج الانتساب. واتفق رئيس قسم الإعلام في الجامعة الدكتور أنمار مطاوع مع مطلب الصبيحي، مقترحاً أن تستثني الجامعة من هم في سن الخمسين أو الستين من العمر من الرسوم، لمساعدتهم في مواصلة التعليم وتحقيق رغباتهم. وقال: «هذه أول حالة أصادفها في الجامعة، ومفرح الصبيحي الآن طالب كمثل طلاب الجامعة، وقصته دافع قوي للطلاب الشباب ومحفز لمواصلة التعليم والإبداع لخدمة الوطن، وليس الفوز بالشهادة من أجل الوظيفة».