! أشكال وأهداف يمكن أن تحول الشاشات التلفزيونية أدوات طيعة في أيدي الحكام. يطيحون هذا من دون اتهام مباشر، ويشوّهون ذاك من دون شبهة ضلوع رسمية. طريقة ذكية وأسلوب خبيث يخدمان مصالح السلطة. وحتى يُحكم الحكام قبضتهم الحديد على الكرسي، وفي ضوء معرفتهم اليقينية بأن الإحكام هذه المرة لن يتم بالأدوات التقليدية، فإن التحكم في الأصوات الانتخابية عبر الشاشة الفضية هو الطريقة الأكثر حداثة والأعلى ضمانة للضحك على الرأي العام وإعادة تشكيل وعيه لخدمة أهداف السلطة. وهل هناك من طريقة أضمن وأظرف من مذيع يطل عبر الشاشة ينضح مظهره بعلامات الإيمان ليطلق سهامه الدينية المغلفة بصبغة سياسية والمعبأة في عبوة كوميدية للتأثير في ملايين المواطنين ممن يحملون صفة «ناخبين»؟ الحرب الشرسة التي تدور رحاها هذه الأيام بين «شيوخ» الفضائيات الدينية الذين تحللوا من عباءاتهم الفتوية وكلماتهم الدعوية وفضلوا عليها عباءات تكفيرية وكلمات تعبوية بغرض شحن البسطاء وحشد الجهلاء ليكونوا جنوداً في حرب يخوضها المؤمنون الطيبون الموعودون بجنة النعيم ضد الكفار الأشرار المهددين بجهنم وبئس المصير. الفريق الأخير الذي يطل أيضاً عبر الشاشة من خلال برامج الحوارات التقليدية المنزوعة النبرة الدينية يقف موقف الضعيف الكافر الذي يشيع الفوضى وينشر البلبلة، وتحرك أصابع خفية «ماريونيت» الجيوش الفضائية الدينية تحريكاً محكماً، فهذا مذيع ذائع الصيت ينبغي تكسير عظامه وتهشيم أفكاره بمعاول التكفير، فيخرج هذا الشيخ أو ذاك الداعية مشهراً تكتيك التهريب والترغيب في وجوه المشاهدين البسطاء. فالمشاهد الذي يثمن حديثه هو المؤمن في الجنة ونعيمها، والمشاهد المشكك في ما يقول مهدد بعذاب النار. ليس هذا فقط، بل إن المشاهد الذي يبتغي حجز مكان مميز له في الجنة ربما يتحتم عليه عدم الاكتفاء بالمشاهدة التكفيرية، بل عليه توعية غيره من الأصدقاء والجيران بضرورة عدم الاستماع الى ما يقوله هذا المذيع الليبرالي الزنديق أو تلك المذيعة العلمانية الكافرة. وبما أن مذيعي الفضائيات غير الدينية ساهموا في تمهيد الطريق للانقلاب على النظام السابق ونجاح الثورة في التخلص من رموزه، فإنه ينبغي حماية النظام الحالي من خلال قاعدة تلفزيونية حامية له داخل كل بيت. ومن ثم، تستخدم كل الوسائل المتاحة. فإن وجد الشيخ أن الشتم سيؤدي الغرض، فلا مانع. وإن اكتشف أن الخوض في الأعراض والقذف بالاتهامات المخلّة بالشرف يساعدان على توفير الحماية للنظام القائم، فلا محيص. أما إذا استشعر النظام بأن فلاناً من المشايخ أفرط بعض الشيء في تشويه مذيع عرف بتأييده له، فإن الأوامر تصدر بأن يعتذر هذا الشيخ أو ذاك للمذيع المشتوم أو المكفر الى حين صدور أوامر أخرى. هذه هي مهمة ماريونيت النظام.