لا يخلو العمل في الفضائيات من مفارقات تنصف بعض العاملين وتهمّش آخرين. فالشخص الذي يظهر على الشاشة هو الوحيد الذي يحظى بالنجومية والسطوة، في حين ان الفريق الذي ينهمك بالعمل خلف الشاشة يكاد يكون مجهولاً، على الاقل من جانب المشاهد العادي الذي يعتقد ان المذيع او مقدم البرامج هو الذي ينجز كل شيء. آلية العمل هذه حققت لمقدمي البرامج نجومية واسعة، وحضوراً طاغياً، حتى ان ثمة من المشاهدين من يجهلون اسم برنامج ما فينسبونه الى اسم المقدم، كأن يقول احدهم: برنامج فيصل القاسم في اشارة الى «الاتجاه المعاكس»، او برنامج منتهى الرمحي في اشارة الى «بانوراما»، او برنامج حسن معوض في اشارة الى «في الصميم»... وهكذا. لكن ما يجهله المشاهد هو ان ثمة جيشاً من العاملين خلف الكاميرا هم الذين يجتهدون بدأب في سبيل إنجاح هذا البرنامج أو ذاك، غير ان اسماءهم تظل مجهولة. ففي كل برنامج ثمة معدّون ومحررون ومشرفون... ناهيك عن الطواقم الفنية من المصوّر الى مهندسي الديكور والاضاءة... كل هؤلاء لا احد يأبه بهم مع ان اي برنامج لن يصل الى الجمهور من دونهم، فهو ينهض على اكتافهم. المذيع التلفزيوني هو الذي يستحوذ على كل شيء. فظهوره المتكرر على الشاشة حقق له شهرة ورأسمالاً رمزياً حتى بات بعضهم اقرب الى نجوم السينما، كما ان بعضهم يحصل على مبالغ مجزية مقابل عملهم تفوق كثيراً المبالغ التي يحصل عليها اولئك الجنود المجهولون مجتمعين احياناً. في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية يتعرف المشاهد، على الأقل، إلى اسماء الفريق الذي شارك في العمل من خلال «تيترات» البداية أو النهاية او «البروشور»، أما في البرامج التلفزيونية، وخصوصاً الفضائيات الإخبارية، فإن تلك الاسماء تظل طي التجاهل. وحده المذيع يطل بوجهه الباسم، ساعياً الى كسب المزيد من المعجبين، بينما يقبع كبار المحررين والمعدّين في الغرف الخلفية يوجّهون بوصلة المذيع الحائر في الاتجاه الصحيح، ويصوّبون له الاخطاء والعثرات. ويبدو ان الفضائيات ليست وفية لأولئك الذين ساهموا في رواجها وانتشارها، اي الذين يعملون خلف الكاميرا. فمن الغرابة ان نجد ضيوفاً على الشاشة من مختلف المستويات والمرجعيات، إذ تخصّص الفضائيات لهم مساحات زمنية واسعة، بينما لا تلتفت الى العاملين لديها في «المطبخ الإعلامي»، فأين الخطأ في أن تخصص الفضائيات الإخبارية، على نحو خاص، فقرات سريعة للتعرف الى من يعد ويحرر النشرات الإخبارية والتقارير والريبورتاجات والأسئلة؟ إن مثل هذا الإجراء، الذي لن يكلف شيئاً، سيعيد بعض الاعتبار الى تلك الاسماء المنسية بعيداً من الأضواء، كما انه سينبّه المشاهد الى ان أمجاد المذيع لم تأتِ بجهود فردية، بل ثمة من ساهم في تلميع صورته، وجعله سيد الشاشة... ورسم له صورة زاهية ما كان لها أن تكون لولا جهود الآخرين.