تواجه الصين أضخم تحدٍ في تاريخها، فهي في منعطف بين التحوّل من دولة نامية إلى صناعية، وبقاؤها في منتصف الطريق يهدد بتداعيات سلبية وانفجار أزمات. رافق تسلّم شي جينبينغ الأمانة العامة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، من هو جينتاو، تحذير متكرر من الرجلين من عواقب مدمرة للفساد المستشري، على الحزب والدولة، ودعوتهما إلى تنفيذ إصلاحات. لكن التحدي الماثل أمام الصين ليس داخلياً فقط، إذ تطوي العام 2012 على أزمات وتوتر مع دول مجاورة في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، بسبب جزر متنازع عليها في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي، وتحديث بكين ترسانتها العسكرية وتعزيزها انتشارها البحري. كما تخوض صراعاً شرساً على النفوذ مع الولاياتالمتحدة المتحفّزة لمواجهة «المارد» الصيني، خصوصاً بعد اتخاذها قراراً استراتيجياً بنقل محور سياستها إلى آسيا – المحيط الهادئ. شهدت اللجنة الدائمة الجديدة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، أبرز هيئة قيادية في البلاد، هيمنة ل «الأمراء الحمر»، أي أبناء قادة سابقين في الحزب، إذ يُعدّون 5 من 7 أعضاء، بينهم شي جينبينغ، وهم محسوبون على الأمين العام السابق للحزب جيانغ زيمين. ويكتسب شي جينبينغ قوة من والده شي زونغشون الذي كان نائباً لرئيس الوزراء ورفيقاً للزعيمين الراحلين ماو تسي دونغ ودينغ شياو بينغ، وأدى دوراً محورياً في إعداد مدينة يانان لتصبح مهد الثورة الشيوعية بين 1936 و1948. ويعزّز ذلك مكانة شي جينبينغ في ممارسة الحكم وتنفيذ إصلاحات، افتقدها هو جينتاو، خرّيج مدرسة الحزب. لكن شي عانى أيضاً أهوال «الثورة الثقافية» التي أعلنها ماو، إذ كان في التاسعة حين وصلت حملة التطهير إلى والده، فيما انتحرت اخته الكبرى شي هيبينغ أواخر عهد الثورة الثقافية. شي جينبينغ الذي اعتبر أن ذلك جعله «ينضج في شكل مبكّر»، اكتسب حساً براغماتياً، بعدما أمضى 7 سنوات يعمل مع فلاحين في شمال غربي البلاد، وكان في ال15 من عمره. عقبات أمام التغيير لكن مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية النافذة حدّدت 3 عقبات أمام التغيير في الصين: أولاها أن القادة يصلون إلى مراكزهم، ليس لجرأتهم بل لانتظامهم في السياسة السائدة وامتناعهم عن «المشاغبة»، والثانية لأنهم من عائلات قادة الثورة، والثالثة لأنهم محسوبون على قادة سابقين للحزب. «مجموعات المصالح» وأشارت المجلة إلى صعود «نفوذ مجموعات المصالح» في الحزب، من رؤساء شركات مملوكة للدولة وقادة في الجيش وزعماء سابقين. ولفتت إلى أن عمل تلك الشركات بات متداخلاً مع مصالح قادة في الحزب ومصارف رسمية، لدرجة أن إصلاحيين فقدوا أي أمل في فكاك بين الجانبين. وثمة دعوات إلى انفتاح الصين على ذاتها، لا على الخارج فقط، وإنهاء معادلة «البحبوحة والاستهلاك في مقابل القمع السياسي»، خصوصاً أن ثمة حراكاً مدنياً واسعاً، يعكسه انتشار المدوّنات في بلاد تشهد نحو 180 ألف تظاهرة سنوياً، احتجاجاً على مسائل عدة، أبرزها الفساد. عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي وانغ كيشان، المكلّف ملف مكافحة الفساد، التقى خبراء في هذا الشأن، وأبلغهم أن مصير الحزب يتوقّف على نتيجة جهودهم، إذ حققت السلطات في السنوات الخمس الأخيرة، مع 600 ألف مسؤول حزبي اتُهموا بالفساد الذي أطاح القيادي السابق بو شيلاي. ويشكّل الفساد «كعب أخيل» الحزب، منذ تأسيس الصين الشعبية عام 1949، إذ شنّ ماو حملات لمكافحته، عام 1951، لكنه استغلّ ذلك أيضاً لتعزيز سلطته. ومنذ تلك الحقبة، سادت شكوك حول تلك الحملات، إذ اعتُبرت مجرد غطاء للقضاء على خصوم سياسيين. وأفادت منظمة «النزاهة المالية العالمية» بأن الصين شهدت هدر 3.8 تريليون دولار في العقد الأخير، بسبب الفساد والجريمة والتهرب من الضرائب، فيما ثمة استياء لدى قطاعات واسعة في المجتمع، يغذّيه تفاوت ضخم بين الفقراء والأغنياء وبين منطقة وأخرى. ويحتّم ذلك تطبيق إصلاحات، بعد موجة أولى أطلقها دينغ أواخر سبعينات القرن العشرين، ثم العام 1992، خصوصاً أن الصين تواجه ما يمكن اعتباره أضخم تحدٍ سياسي واقتصادي واجتماعي، وعلماً أنها تعاني من مفارقة التطور الاقتصادي والجمود السياسي. واعتبرت مجلة تصدرها اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي أن الصين «عند مفترق تاريخي»، فيما كتب دينغ يوين، نائب رئيس تحرير مجلة «دراسات» التي يصدرها المعهد المركزي للحزب، مقالاً حاداً تحدّث عن «سيادة السعي إلى الربح من دون قاعدة أخلاقية»، معتبراً أن «الإصلاحات السياسية والديموقراطية لا تلبّي تطلعات الشعب». وأشار إلى مشكلة ملحّة، تتمثل في «أزمة شرعية» لعجز الحزب الشيوعي عن معالجة «الفارق المتنامي بين الأغنياء والفقراء». لكن صحيفة «علم أحمر» الناطقة باسم الحزب، أوردت أن الأخير يشكّل العامل الأكثر أهمية في النجاحات الباهرة ل «النموذج الصيني». واعتبرت أن لهذا النموذج 3 مقدمات كبرى: الدور القيادي للحزب في حكم الصين، وهيمنة القطاع المملوك للدولة على الاقتصاد، والدور القيادي للدولة في سائر قطاعات الاقتصاد الوطني. في المقابل، يدعو هي دي الذي أسس عام 2007 معهد بحوث باسم «بويان فاوندايشن»، إلى ترسيخ «القيم العالمية» في الصين، من حرية وديموقراطية وسوق حرة. وهو يقرّ بأن تلك القيم تصطدم بأيديولوجية الحزب الذي يعتبر أنه في مرتبة أسمى منها. وشهد المؤتمر ال18 للحزب الشيوعي الذي نُظم أخيراً، عرض «تقرير عمل» حدد مبادئ السياسة التي سينتهجها الحزب خلال السنوات الخمس المقبلة، ودعا إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية، للحفاظ على النمو المتوازن، وإصلاحات سياسية منهجية لتحسين الحكم. ويبدو أن ثمة إجماعاً لدى قيادة الحزب، على تطبيق إصلاحات معتدلة تعزز فاعلية الحكم، تقتصر على تنظيم الفساد، ولا تهدد سلطة الحزب، بحيث لا تشكّل صدمة للنظام، بل جزءاً طبيعياً من تطور الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وتخشى الصين مصيراً مشابهاً للاتحاد السوفياتي، إذ تواجه حراكاً مدنياً متصاعداً، قد يحاكي انتفاضات «الربيع العربي»، وتأزماً اجتماعياً لفئة هامشية لم تستفد من «الرأسمالية» ذات الخصائص الصينية، تعبّر عنه احتجاجات، إضافة إلى «تمرد» في إقليمي التيبت وشينغيانغ. هذه المسائل الداخلية تواكبها تحديات خارجية، إذ تثير الصين مخاوف توسّعية لدى بلدان مجاورة، خصوصاً أن 14 دولة تحيط بها، بينها خمس خاضت ضدها حروباً في العقود السبعة الماضية (اليابان وروسيا والهند وكوريا الجنوبية وفيتنام). بكين الوحيدة التي تُعتبر تهديداً محتملاً لهيمنة واشنطن، تستعد لمواجهة توسيع الولاياتالمتحدة انتشار قواتها في آسيا – المحيط الهادئ، وسط تفاقم التوتر مع دول مجاورة، خصوصاً اليابان، حول جزر متنازع عليها في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي. «الهمّ الكوري الشمالي» وتجد الصين في كوريا الشمالية، مصدر إقلاق دائم، عكسه إطلاق الأخيرة صاروخاً باليستياً أخيراً، وضع قمراً اصطناعياً في المدار. وأثبت ذلك أن بكين عاجزة عن ممارسة أي تأثير في بيونغيانغ، على رغم اعتماد الأخيرة على مساعدات الصين. وكتب فيكتور تشا في مجلة «فورين أفيرز» أن نظام كيم جونغ أون الذي ورث الحكم بعد وفاة ابيه كيم جونغ ايل، «سيكافح ليبرّر حكمه، إذا لم يثبت قدرته على فعل شيء، مثل تجربة نووية ثالثة وناجحة». لكنه استدرك: «حتى إذا تشدد النظام أيديولوجياً، فإن المجتمع الذي ورثه كيم يتحرّك في اتجاه متعارض تماماً». وأشار إلى «تطوّر عقلية سوق لدى الشعب، بسبب النقص الرهيب في المواد الغذائية».