لا يستخف بأهمية إماطة اللثام عن هوية طاقم الحكم الجديد في الصين وتأليف الحكومة الانتقالية. ففي 15 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، خلف شي جينبينغ هو جينتاو أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني، وتسلم مقاليد الحكم في بلد قطع شوطاً كبيراً على طريق الإصلاح في العقد الماضي. والتقدم هذا عظيمٌ شأنَ عظمة التحديات التي تنتظر النظام الصيني اليوم. فالاقتصاد الصيني يتصدر المرتبة الثانية عالمياً، ونجحت الصين في انتشال ملايين من السكان من براثن الفقر المدقع. لكن النمو الاقتصادي يميل إلى التباطؤ، والشركات العامة تهيمن على القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية كلها. والهوة بين الأثرياء والفقراء هي الأعمق والأوسع على وجه المعمورة. ويتزايد اتساع الاضطرابات السياسية والاجتماعية، ويتعاظم مدّ موجة هجرة أصحاب الكفاءات الصينيين إلى دول مثل أستراليا. وهو مرآة قلقهم إزاء المستقبل وضيقهم بالقيود الغليظة على حرية التعبير. وأطاح تفشي الفساد صدقية الحكومة ومؤسساتها، ولم يتستر هو جينتاو على فداحة هذه الظاهرة الغالبة على الحزب الحاكم وجهاز الدولة، وأقر بوجوب جبه المشكلات المترتبة عليها. لكنه لم يحدد السبل إلى ذلك، ولم يبادر إلى إصلاحات تمس الحاجة إليها. ويقتضي تحديث الاقتصاد الصيني كسر الاحتكارات العامة، وتشجيع الناس على الإقبال على الاستهلاك، وإرساء نظام مصرفي يلتزم معايير الشفافية، وتقليص الاعتماد على الاستثمارات في القطاع العقاري وعلى الصناعة الثقيلة. هو جينتاو لم يعلن تخفيف القيود التي يفرضها حزبه على الحياة السياسية وعلى القضاء ووسائل الإعلام والجيش والمواطنين، ولم يدعُ إلى كف يد القمع عن المجتمع. واستبعد هو تشريع الأبواب على العمل السياسي، وتمسك بزعامة الحزب الحاكم. ومثل هذه المواقف غير مفيد في بلد تعسّ فيه نيران الاضطراب السياسي، وفي عالم تغلب عليه كفة حق تقرير المصير. ويسلم هو خلفه شي حكومة واثقة من نفوذها العسكري والسياسي في الخارج. لكنه يسلم كذلك قنبلة موقوتة: الخلافات الحدودية مع دول الجوار، ومع اليابان بالتحديد، على جزر صغيرة وصخور في بحر الصين. ويعود إلى الإدارة الصينية الجديدة صوغ علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. فالخلافات بين واشنطنوبكين تعاظمت على وقع توسع الطموحات العسكرية الصينية من جهة، والتزام إدارة أوباما استراتيجية عسكرية ترفع منطقة الهادئ قبلة اهتماماتها من جهة أخرى. ويشوب الميل إلى التحدي والتصعيد العلاقات الصينية – الأميركية. وطريقة معالجة شي، إثر تنصيبه رئيساً في آذار (مارس) المقبل، هذا الملف ستخلف أثراً بالغاً في اقتصاد بلاده النامي وفي قدرة بكينوواشنطن على تذليل التحديات الإقليمية والدولية. وتحتكم مجموعة القادة الصينيين إلى الإجماع في اتخاذ القرار. وتجلو صورة الحكم الصيني الجديد والعلاقات الداخلية في مجموعة الحكام الصينيين مع مرور الوقت. وانجلاء الصورة ييسر إدراك العالم السبل التي سيختارها قادة بكين لترك بصماتهم فيه. فهل يعزفون عن تصلب مواقف هو جينتاو إزاء التغيير، وهل يميلون إلى اللين ويبادرون إلى إرساء إصلاحات تكون فاتحة تعاظم مكانة الصين في العالم، وارتقائها قطب استقرار عالمياً؟ *عن افتتاحية «نيويورك تايمز» الاميركية، 20/11/2012، اعداد منال نحاس