لن يمر عام 2012 من دون أن يسجل «الانتكاسة» التي حلّت بالسينما السورية على صعيد الانتاج والعروض، إن أخذنا في الاعتبار أن المؤسسة العامة للسينما السورية هي الجهة الوحيدة «المخولة» القيام بأعباء هذا الانتاج المكلف نسبياً. وهو انتاج، بات يفقد بريقه يوماً بعد يوم بسبب قلة عائداته التي لا تكاد تغطي تكاليف الصالات التي تعرض فيها هذه الأفلام، وبخاصة أن أبواب المشاركات في المهرجانات العربية والعالمية أغلقت تقريباً بوجهها. فباستثناء الدورة الأخيرة من مهرجان وهران للفيلم العربي التي سمحت بوجود فيلمين سوريين داخل المسابقة الرسمية وهما «صديقي الأخير» لجود سعيد، و«الشراع والعاصفة» لغسان شميط، - و«مريم» لباسل الخطيب إنما في عروض خاصة -، لم يعد ممكناً الحديث عن مشاركات أخرى. فقد تعذرت مشاركة السينما السورية، الرسمية على الأقل، في مهرجانات مثل القاهرة ودبي، وصار الحديث بالتالي عن وجود انتاج سينمائي سوري مقتصراً على بعض الانتاجات الصغيرة والقليلة الكلفة التي تصور بالخفاء، أو في «الخارج» من خلال اعادة توليف مشاهد مصورة وتصوير ما اصطلح على تسميته مع نشوب الأزمة السورية واشتدادها ب «اليوتيوبات»، نسبة إلى موقع التواصل الاجتماعي الشهير اليوتيوب. وهي شرائط صارت تلقى رواجاً في بعض المهرجانات، باعتبارها تمثل الانتاج السينمائي السوري، في الوقت الذي سدت منافذ المشاركة في وجه الأفلام التي تنتج بدعم حكومي، وكانت حتى وقت قريب تمثل واجهة ثقافية يفاخر بها سينمائيون سوريون انقسموا لاحقاً إلى سينمائيي الداخل والخارج نسبة إلى بيانين صدرا عن الجهتين في وقت سابق على خلفية الأحداث الدامية التي تشهدها سورية. وبالمناسبة يعتبر سينمائيو «الداخل» ان بعض المشاركات التي ألغيت انما جاءت بتحريض من قبل سينمائيي «الخارج» الذين لم يوفروا «أفلام» زملاء سابقين لهم، لمجرد كونهم شاركوا في التوقيع على بيان الداخل، كا فعلت المخرجة السورية هالة العبدالله حين قررت سحب فيلمها «كما لو أننا نمسك كوبرا» من مهرجان القاهرة احتجاجاً على مشاركة فيلم «العاشق» لعبداللطيف عبدالحميد، على رغم أن مديرة التصوير في هذا الفيلم «الحكومي» جود كوراني معارضة، ومحسوبة على سينمائيي الخارج، الذين تعتبر العبدالله واحدة من صقورهم. أياً تكن الأسباب التي وقفت وراء منع ثلاثة أفلام سينمائية سورية من مشاركات علنية في مهرجانات عدة، إلا أن هذا لا يمنع من الاشارة إليها باعتبارها حتى اللحظة تمثل حصاد السينما السورية للعام الراحل، إضافة للفيلم الروائي الطويل «ليلى والذئاب» للمخرج محمد عبدالعزيز عن قصة لوزير الثقافة السوري السابق رياض عصمت، وهو من انتاجات مؤسسة السينما لهذا العام أيضاً، وإن بدا في اطلالته خجلاً، ربما بسبب غياب صاحب القصة عن المشهد الثقافي مع التبديل الحكومي الذي طاوله، وهو الأمر الذي قد يخفف من «اندفاعة» هذا الفيلم الموسيقي الذي يحكي قصة فتاة تعشق الغناء والرقص، وتحلم بأن تولد في المدينة من جديد، لتحقق أحلامها، وإن كانت ستصطدم فيها بالذئاب. وللمناسبة لا بد من الإشارة الى ان هذا الفيلم يصور المدينة في شكل متعسف، باعتبارها مكاناً موحشاً وغير رحيم للقادمين من الأرياف البعيدة. لا نعرف مآل هذا الفيلم في ظل هذه التطورات العاصفة التي تشهدها البلاد، ولكن من المؤكد أن ثمة ما يوحي هنا بعسف من نوع آخر، فالمخرج عبدالعزيز بخوضه تجربة حكومية، وهو الآتي من خارج ملاك مؤسسة السينما، قد يوقع «المتربصين» بالأفلام الحكومية في مأزق تقييم الفيلم نفسه، باعتباره محسوباً بدوره على سينمائيي الخارج، وحظي بفرصة ثمينة في مثل هذه الأوضاع السينمائية الرجراجة التي تميل من تحت أقدام سينمائيي الداخل هذه الأيام. أربعة أفلام طويلة اذاً هي نتاج هذا العام، لا أحد يعرف مصيرها حتى على صعيد العروض الجماهيرية، التي اعتادت المؤسسة الرسمية ان تقيمها بين الفينة والأخرى. ولا بد من الإشارة المهمة هنا الى ان وضع المؤسسة نفسها يبدو غامضاً. ولم يعد ممكناً الحديث عن تفرد بالانتاج السينمائي من خلالها. حتى اولئك الذين تغطوا برداء المؤسسة حتى وقت قريب، ليقولوا شيئاً، تخلوا عن فعل ذلك في الآونة الأخيرة. ولم يكن ممكناً مرور ذلك بهذه الخفة والسهولة لولا التطورات الدراماتيكية الخطيرة التي تشهدها البلاد، وهي التي دفعت نحو انقسامات حادة في صفوف السينمائيين السوريين وأدت إلى تكريس صورة جديدة عن انتاجات لم يعد ممكناً مرورها، أو تمريرها بسبب من مواقف مخرجيها وهو ما أرخى بظلاله على المشهد السينمائي السوري بشكل عام. ربما لن تعرف أفلام عبداللطيف عبدالحميد وجود سعيد وباسل الخطيب ومحمد عبدالعزيز الطريق إلى أي من المهرجانات العربية وغير العربية الأساسية، بل ان هذا أمر بات في شبه المؤكد. فالحملة ضد هذه الأفلام اشتد أوارها في الآونة الأخيرة. عبدالحميد دافع عن خياراته. الآخرون اكتفوا بالصمت. بعض الذين وقفوا في المنتصف لم يجدوا الوقت ليعلقوا، بل انصرفوا نحو عمل أفلام «حجروية» هرباً من العاصفة التي تقتلع كل شيء في طريقها. «العاشق» و «صديقي الأخير» و «مريم»، وحتى فيلم الميوزيكال «ليلى والذئاب» الذي يعتبر من الأنواع السينمائية النادرة في مسيرة السينما السورية والحكومية منها على وجه التحديد، قد تبقى بالتالي أسيرة العلب بانتظار أن تفرج عنها ظروف أخرى. وحتى ذلك الوقت قد تجد الأفلام السورية القصيرة التي تنتج هنا وهناك فرصاً أكثر في المهرجانات. حتى الأفلام التي تنتج في الداخل منها لا تقابل بمثل هذا التشدد. بعضها يحظى بعروض وجوائز. هذا لا يبدو مفهوماً. حتى حين يجري المعترضون مقارنات مع الدراما التلفزيونية السورية التي لا تزال تحظى بالعروض والاعادات على الفضائيات العربية من دون أن ترتفع الأصوات بضرورة مقاطعتها كما حال الأفلام الروائية الطويلة المذكورة التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما. ليست أفلام مثل «29 شباط» للمخرج الشاب المهند كلثوم أو «حارة سد» لغطفان غنوم، أو «مراجيح» لعمار البيك، - وهي أنتجت في الداخل السوري في ظروف مختلفة - إلا تتويجاً لحالة سينمائية مرتبكة، على رغم قصرها. أما فيلم «عفريت النبع» للمخرجة السورية المقيمة في البحرين ايفا داوود فقد يمثل حلاً آخر، لكنه قد يحظى بإجماع الداخل والخارج معاً، باعتبار أن التيمة ليست سورية مئة في المئة، وأن هناك وقتاً أطول للتقويم تحتاجه الحالة السينمائية السورية الراهنة، وهي تتوزع على خرائط المهرجانات، وتعيد رسم أمجادها بطريقة لم يعهدها «شيوخ» السينما السورية وصانعوها الجدد.