يتوجه اليوم ملايين المصريين إلى لجان الاقتراع في 17 محافظة للمشاركة في المرحلة الثانية والأخيرة من الاستفتاء على مشروع الدستور، بعد يوم دام عاشته مدينة الإسكندرية أمس وشهد سقوط أكثر من 100 جريح في اشتباكات بين مؤيدي الرئيس محمد مرسي ومعارضيه. واستبقت الرئاسة الاستفتاء بإعلان توقيع مرسي قائمة تعيينات في مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) الذي سيعهد إليه بمهمة التشريع فور إقرار الدستور الجديد خلت من أعضاء «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم قوى المعارضة الرئيسة. وذكرت مصادر أن القائمة التي تتكون من 90 اسماً «ضمت ممثلين عن الأزهر والكنائس الثلاث إلى جانب مرشحين عن شيوخ القبائل وأبناء سيناء والنوبة وفنانين ورياضيين ونحو 20 اسماً من التيار الإسلامي و12 قبطياً». ولوحظ أن غالبية الأسماء إما من أعضاء قوى الإسلام السياسي أو من المحسوبين عليها أو الداعمين لمواقف الرئيس. وخلت من أعضاء «جبهة الإنقاذ» أو ممن يتبنون مواقف معارضة للحكم من خارج الجبهة. وتجرى اليوم المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور والتي تكتسب أهمية خاصة في الصراع بين الحكم والمعارضة في ظل ما أظهرته نتائج المرحلة الأولى السبت الماضي من انقسام في شأن مشروع الدستور، إذ أشارت نتائج غير رسمية إلى تقدم المؤيدين بنسبة 56 في المئة فقط. ويعوّل الحكم على محافظات المرحلة الثانية لتمرير الدستور بفارق لا يعكس انقساماً كبيراً بعدما تهاوت حجة حيازته دعماً شعبياً واسعاً، فيما تأمل المعارضة في تحسين نتائجها ورفض الدستور بنسبة أكبر من المرحلة الأولى لتأكيد أن الإسلاميين لا يحظون بتأييد واسع، ومن ثم إجبار الحكم على سماع أصوات المعارضة. ويجري الاستفتاء في محافظات الجيزة والأقصر والمنوفية وبني سويف والفيوم والسويس والبحر الأحمر وبورسعيد والإسماعيلية والقليوبية والمنيا ودمياط والبحيرة وكفر الشيخ ومرسى مطروح والوادي الجديد وقنا. ويبلغ عدد المسجلين في محافظات هذه المرحلة نحو 25 مليوناً و495 ألف ناخب، يقترعون في 176 لجنة عامة و6724 لجنة فرعية و4930 مركزاً انتخابياً. وكان الاقتراع في المرحلة الأولى شهد إقبالاً كبيراً، لكن النتائج أظهرت أن نسب المشاركة جاءت في حدود 30 في المئة فقط ما طرح تساؤلات عن فقر الترتيبات وإتاحة الفرصة للتزوير وعدم تمكن كثيرين من التصويت. وشكك عضو مجلس ادارة «نادي قضاة مصر» محمد عبده صالح في كشوف أعلنتها اللجنة العليا بأسماء القضاة المشرفين على الاستفتاء. وقال ل «الحياة» إن «الكشف يضم أسماء مئات اعتذروا عن عدم الإشراف» بينهم اسمه. وأضاف: «تلقينا اتصالات من أكثر من 150 قاضياً أبلغونا بأن أسماءهم مدرجة في الكشف رغم أنهم أبلغوا اللجنة باعتذارهم... نُعد حصراً بأسماء القضاة غير المشاركين في الإشراف والذين شملهم الكشف لإعلانه للرأي العام». لكن المشهد السياسي عموماً توارى أمس خلف اشتباكات دامية شهدتها الإسكندرية التي تحولت شوارعها إلى «ساحة حرب» بين أنصار مرسي ومعارضيه، ودارت اشتباكات متنقلة على امتداد كورنيش المدينة الساحلية سقط فيها عشرات الجرحى، بعضهم في حال الخطر. وكانت جماعة «الإخوان المسلمين» دعت وحلفاؤها في «الدعوة السلفية» و «الجماعة الإسلامية» إلى تظاهرات تحت شعار «حماية المساجد والعلماء» أمام مسجد القائد إبراهيم الذي شهدت ساحته اشتباكات بين الموالاة والمعارضة الأسبوع الماضي بعدما هاجم الداعية المثير للجدل أحمد المحلاوي في خطبة الجمعة معارضي الدستور ودعا المصلين إلى التصويت ب «نعم». وحمل سياسيون الداعية السلفي عبدالله بدر المسؤولية عن تفجر الأوضاع، وهو كان ظهر في شريط مصور متحدثاً عن «توجيه بأن من كانوا حول المسجد يدفنون في باطن الأرض وليس على ظهرها... الشيخ المحلاوي سيخرج وهو يسير على جثثهم». وأثارت هذه التصريحات للداعية المثير للجدل الذي صدر الأسبوع الماضي حكم بحبسه بتهمة السب والقذف، حركات ثورية في الإسكندرية وحذرت من تظاهرات الإسلاميين التي شارك فيها أيضاً أنصار المحامي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل. وبدأت الاشتباكات بتجمع مئات من الإسلاميين أمام المسجد وفي مواجهتهم حشود المعارضة وبينهم قوات الشرطة التي سعت إلى الفصل بين الجانبين. وبدأ الحشدان في ترديد هتافات ضد بعضهما بعضاً ما لبثت أن تحولت إلى تراشق بالحجارة والألعاب النارية لتتدخل الشرطة لفض الحشود بإطلاق النيران في الهواء وقنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة، فانفضت الحشود من أمام المسجد إلى الشوارع الجانبية التي شهدت كراً وفراً بين الجانبين. واستخدمت أسلحة بيضاء في الاشتباكات، وتحدث شهود عن سماع دوي لإطلاق النار. ودفعت مديرية أمن الإسكندرية بقوات إضافية إلى أماكن الاشتباكات. وسرت إشاعات عن سقوط قتلى في المستشفى الأميري الذي يبعد نحو نصف كيلومتر عن مسجد القائد إبراهيم، ما دفع المعارضين إلى التوجه إليه فاشتبكوا مع الإسلاميين مجدداً ما أوقع مصابين جدداً. وأحرق المعارضون باصات أقلت مئات من أنصار أبو إسماعيل من خارج الإسكندرية إلى منطقة مسجد القائد إبراهيم. وامتدت الاشتباكات بضعة كيلومترات على الكورنيش في ما يشبه «حرب شوارع» متقطعة. واتهمت جماعة «الإخوان» عناصر من مديرية أمن الاسكندرية ب «التواطؤ» في الاشتباكات. ودانت في بيان رد فعل الأمن تجاه الأحداث، واصفة سلوك قوات الشرطة بأنه «محاولة فرض عقاب على جهة ما في الشارع المصري». ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسة من الانتقادات التي وجهتها الجماعة إلى مختلف مؤسسات الدولة، وطالت أخيراً قيادات الجيش التي اتهمها مرشد «الإخوان» محمد بديع ب «الفساد»، إذ قال في رسالته الأسبوعية إن «جنود مصر طيعون لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم، بعد أن تولت أمرهم قيادات فاسدة»، ما أثار غضباً في المؤسسة العسكرية عبرت عنه انتقادات على لسان قادة سابقين ومصادر عسكرية لوسائل الإعلام المحلية المختلفة.