يشمل التعاون بين روسيا وتركيا المجالات الاقتصادية والعسكرية - التقنية والمسائل المتصلة بالطاقة. ومكانة الشراكة الاقتصادية بين البلدين ميزانها الارتفاع السريع في التبادل التجاري، وحجم الاستثمارات واستيراد تركيا احتياجاتها من النفط والغاز من روسيا. وأدت زيارة بوتين إلى توقيع 20 اتفاقية تعاون في مجالات الطاقة النووية السلمية لإنتاج الكهرباء والزراعة والعلوم والتعليم والإجراءات الجمركية. وتتعاظم أهمية تركيا في حساب روسيا، وسياستها الشرق أوسطية، طرداً مع تعاظم دور أنقرة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وهي تولت الوساطة في المفاوضات بين اسرائيل وسورية، والحوار مع القيادة الإيرانية تمهيداً لحوار اميركي - إيراني حول البرنامج النووي الإيراني. وأعدت تركيا خطة أمن واستقرار في منطقة القوقاز المجاورة، تشترك فيها البلدان الواقعة وراء القوقاز. وتعاملت روسيا بحذر مع الخطة. فهي تعد القوقاز منطقة نفوذ خاصة. ولا يقلق نفوذ تركيا الضعيف في آسيا الوسطى روسيا. وتأمل تركيا ان تستخدم روسيا علاقاتها بأذربيجان وأرمينيا، وحملهما على حل مشكلة إقليم ناغورني - قره باخ سلماً. ومن أهم مسائل التعاون بين روسيا وتركيا موافقة أنقرة على مرور خطوط أنابيب الطاقة في اراضيها ومياهها الإقليمية، وأبرزها «الخط الأزرق- 2» و «الخط الجنوبي». ويتمتع «الخط الأزرق-2» بطاقة ضخ تبلغ 16 بليون متر مكعب سنوياً. وهو ينقل الغاز الروسي الى سورية ولبنان وقبرص وإسرائيل. وعلى رغم تحفظ موسكو عن خط انابيب النفط سمسون - جيهان، أقرته لقاء تبني تركيا الخطط الروسية الأخرى، وهو أوله في البحر الأسود ومصبه في المتوسط في طريقه إلى أوروبا. وموافقة تركيا على مشروع «الخط الجنوبي»، وهو ينقل الغاز من روسيا الى بلغاريا، ومنها الى أوروبا، لا يخالف اشتراكها في خط «نابوكو»، أو غيره مثله. فهذا يعزز دورها ملتقى دولياً للخطوط هذه على أراضيها وفي مياهها الإقليمية. ولكن كيف يفهم موقف القيادة الروسية التي تعترف بأن مشروع «نابوكو» اصبح حقيقة، وتنافس «الخط الجنوبي»، وتصر في الوقت نفسه على إنشاء هذا الخط؟ والحق ان «نابوكو» مشروع متين، وسنده هو الاتحاد الأوروبي، وبنك الاستثمار الأوروبي مصدر تمويله الأول، وهو يتقدم على «الخط الجنوبي». وتكلفة «الخط الجنوبي» باهظة، وتبلغ 19 الى 24 بليون يورو. وتموين «نابوكو» بالغاز يعول على تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان. وهذه البلدان رفضت التوقيع على إعلان براغ الممهد لإنشاء «نابوكو». فالأولى لا تريد إفساد علاقتها بروسيا التي تشتري منها الغاز وتصدره الى أوروبا. وهي وقّعت عقداً مع الصين تمدها بموجبه بكميات ضخمة من الغاز. وكازاخستان ترغب في الاحتفاظ بعلاقات جيدة بروسيا. وأوزبكستان تريد منافسة تركمانستان. وتنوي اذربيجان بناء خط انابيب ينقل الغاز الى الصين. وقد يضطر الاتحاد الأوروبي الى الموافقة على إشراك ايران في مشروع «نابوكو» والحصول على الغاز من مصر والعراق. وهو أمر غير مضمون، ويعظم التكاليف. وقد تتحول أوروبا الى شراء الغاز السائل من قطر. و «غاز بروم» تلوح بإنشاء مصنع ضخم لإنتاج الغاز السائل على بحر البلطيق. وفي كل الأحوال، فإن حرب خطوط انابيب الغاز مستمرة، وتخطط روسيا لحشر أوروبا بين فكي كماشة هما الخطان الجنوبي والشمالي، بغية السيطرة على أسواق الطاقة الأوروبية. وليس غير القيادة الروسية من يقول ان خطي انابيب الغاز الجنوبي والشمالي يدعمان أمن الطاقة الأوروبي، بينما ترى أوروبا ان خطوط الأنابيب ليست وسيلة مضمونة للحصول على الغاز. فقد استخدمت شركة «غاز بروم» خطوط الأنابيب في سبيل توقيع عقود طويلة الأجل في سوق الغاز الأوروبي، تحت شعار الاستقرار، ما ادى الى ارتفاع الأسعار. وعليه، تدعو اللجنة الأوروبية الى تحرير سوق الغاز. ويجب الاعتراف بأن الأنابيب التي طوقت روسيا أوروبا بها، لا تجعل روسيا قوة عظمى في مجال الطاقة. * صحافي، عن «كوميرسانت» الروسية، 7/8/2009، إعداد علي ماجد