حرب ضروس تشنها أطراف متصارعة متناقضة ضد النخبة، وهي الكلمة التي باتت تتأرجح في الشارع المصري هذه الآونة بين السبة والوصمة حيناً وبين الاتهام والعتاب أحياناً. من كان يتخيل أن يجتمع رجل الشارع الباحث عن لقمة عيش وسقف يظلله وأولاده، مع البعض من الشباب المصري الثوري الذي أشعل فتيل «ثورة يناير» لكن فوجئ بمن يركبون الثورة بديلاً منه، مع رجل الإخوان الساعي إلى مزيد من السيطرة على مفاصل الدولة ومقاليد الحكم، ومعه الرجل السلفي الآمل في غد يلوح ببارقة سلطة وسطوة في يده بديلاً عن حليفه الإخواني. كلهم اجتمعوا اليوم على النظر بعين الشك أو الريبة أو الاتهام أو العتاب ل «النخبة»! أبناء تيار الإسلام السياسي بمكونه الإخواني الرئيسي وحليفه السلفي الاستراتيجي باتوا لا يكلون أو يملون عن تصويب سهام الاتهام حيناً والتشويه دائماً لكل من يعارضونهم من المندرجين تحت بند «النخبة». ومواصفات «النخبة» في مفهوم الإسلام السياسي الحاكم لمصر حالياً هي: كل من له قدر من الشعبية، ذو وجه مألوف لكثرة التردد على الفضائيات، ينطق بمعارضة الإسلاميين، يشكك في صدقية قرارات الرئيس، يفتش في قانونية جماعة الإخوان، يندد ب «ميليشيات الإخوان»، يشجب «كتائب السلفيين»، يتحدث عن الدولة ولا يشير إلى الدين، لا يزيّن حديثه ب «جزاك الله خيراً» و «بارك الله فيك»، والأهم من هذا وذاك أن تكون فيه مقوّمات زعيم أو قائد أو شبح رئيس مقبل. وبالتالي، فإن كل ما يصدر عن رموز الإسلام السياسي الحاكم من تصريحات أو تعليقات خاصة ب «النخبة» لا يخرج عن هذه الأطر: «النخبة لا يجمعها سوى كراهية التيار الإسلامي»، «أتعجب من النخبة التي تدّعي أن الرئيس أعاد مصر إلى الوراء»، «النخبة مسؤولة عن الانقسام حول الدستور»، «النخبة ضللت الإعلام والرأي العام حول أحداث الاتحادية»، «هستيريا النخبة قبل الاستفتاء دفعت بعض من كانوا سيصوتون بلا إلى التصويت بنعم»، «انحياز المسيحيين للنخبة سيؤدي إلى عزلتهم»، «مسكينة النخبة فتحت على نفسها جبهات صراع ضد (الرئيس محمد) مرسي والشرعية والدستور والصندوق والتصويت، وكلها جبهات صعبة. آخركم جبهة تويتر»! معايرة «النخبة» بأن نخبويتها قاصرة على شعب «تويتر» وسكان «فايسبوك» ورواد الكوكب العنكبوتي لم يكن يقلق كثيرين من الشباب الثوري من قبل. ولمَ يقلقهم وهم الذين قاموا بثورة قوام فتيلها كان عنكبوتياً بامتياز؟! لكن دوام الحال من المحال، ورؤية البعض من أولئك الشباب ل «النخبة» تخضع للكثير من إعادة النظر والتقييم. ومن ثم، فإن تعليقات شبابية بدأت تلوح في الأفق من قبيل «الشعب انفصل عن النخبة ويتولى القيادة حالياً» و «انزل الشارع اخلع النخبة طهر وطنك من النخبة والإخوان» و «همسة في أذن النخبة: نحن ندفع ثمن تهريجكم! توقفوا عن ذلك فوراً!» و «احترس النخبة تعود للخلف»! عودة النخبة للخلف واقع يؤكده رجل الشارع في مصر، والذي يمكن اعتباره مجساً بالغ الحساسية والقدرة على تحديد الاتجاهات. فالذكاء الفطري والقدرة الأصيلة على التفرقة بين الصالح والطالح والميزان الحساس في تقييم الأمور كلها، تشير إلى أن «النخبة» تسير عكس الاتجاه، وفي موازين أخرى لا تسير أصلاً! «لو النخبة تسكت شوية ويتركونا نفكر، حالنا سيكون أفضل»، «النخبة قرفتنا وتعبتنا»، «كنا نعتقد أن النخبة ستأتي إلينا بحقوقنا لكن للأسف أتوا إلينا بالفوضى»، «سيبني يا عم نخبتي تنقح علي (تؤلمني)»! ورغم الألم الناتج عن غياب الرؤية، وتشتت أفكار وتشرذم النخبة هذه الأيام وهو ما أدى إلى توحد الأضداد على انتقادها، فإن هذا لا يعني أن الأمر لا يخلو من شطط حيناً ودعابة أحياناً. فالحديث الإخواني عن مخطط خطف الرئيس من قبل «النخبة» وتهريبه إلى دولة خليجية، لم يثر الغضب والذعر بقدر ما أثار الضحك والسخرية. فهناك من أعلن صحة المخطط، وأن التفاصيل ستعلن في السلسلة المقبلة من حلقات «رجل المستحيل»، ومنهم من أكد أن النخبة خطفت الرئيس بالفعل وأنه موجود في مسجد مار جرجس في حارة مزنوقة، وثالث يتوقع أن يتحول تساؤل القيادي الإخواني الدكتور عصام العريان بعد خطف الرئيس من قبل النخبة من «أين برلماني؟» إلى «أين رئيسي؟»، ورابع عبارة عن مجموعة شبابية تميل إلى الإسلام السياسي مزجت الدعابة بالسخرية بتشويه «النخبة» من خلال أغنية «النخبة المندسّة» التي يشدو بها شقيقان من هواة الإنشاد الديني. وإذا كان هواة الإنشاد الديني جاملوا تيار الإسلام السياسي بالتغني ب «النخبة المندسة»، فإن جان جاك روسو لم يكن في حاجة إلى مجاملة أحد حين قال إن «النخبة تعرف الحقيقة ولا تريدها، والعامة تريد الحقيقة ولا تعرفها»! فهل تلتقي النخبة والعامة؟