قرار تعيين الصحافي والكاتب المصري سيد محمود رئيساً لتحرير جريدة «القاهرة» التي تصدرها أسبوعياً وزارة الثقافة المصرية يمكن اعتباره «قراراً ثورياً»، على رغم إجراءات تتخذ بين الحين والآخر في مصر الراهنة، لا غرض منها سوى الالتفاف على الثورة، في الشأن الثقافي وسواه. والقرار ذاته تأخر نحو ثلاث سنوات على الأقل، إذا اعتبرناه من مستلزمات ما طرحته ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 من رؤى مغايرة لما كان سائداً قبلها سنوات طويلة، خصوصاً لجهة إهدار المعايير المهنية، واستنزاف المال العام في الوقت نفسه، وهو ما عبرت عنه تصريحات «نارية» لمسؤولين في وزارة الثقافة التي تولاها في السنوات الأربع الأخيرة 6 وزراء، جاؤوا بعد فاروق حسني الذي مكث في المنصب نفسه أكثر من عشرين عاماً! ترفع «الجريدة» منذ انطلاقها قبل نحو 15 عاماً شعار «الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي ونشر أي فكر وبرنامج كل مذهب»، وهو قول منسوب إلى رائد تحرير المرأة قاسم أمين، لكنها مع الوقت، ووفق تصريح رئيس مجلس إدارتها السابق سعد عبد الرحمن، أدلى به في أواخر العام 2012، لم تعد قادرة على «مواكبة متطلبات العصر، والوصول إلى قطاعات عريضة من المثقفين». واقترح عبد الرحمن في حينه خطة لتطوير الجريدة، التي تطبع 10 آلاف نسخة، 7 آلاف منها توزع فى السوق يعود منها 5 آلاف نسخة، فيما يذهب معظم النسخ الأخرى إلى قطاعات وزارة الثقافة، مجاناً! ووفقاً لمشروع آخر للتطوير أعده سيد محمود وصدر بناء عليه قرار تكليفه رئاسة تحرير «القاهرة»، «فمنذ عقود لا يجد الهمّ الثقافي، بمعناه الواسع، منبراً له صدقيته يستوعبه، ويضعه في سياق تطوره. فالمجلات والصحف العربية المتخصصة تستنسخ «الخلطة» القديمة لصناعة الإصدارات المتخصصة، ما يُفقدها، مقدماً، القدرة على أداء المتوقع منها، في حين أن تحوّلات المجتمعات العربية، وتدفقات تكنولوجيا الميديا، تجاوزت هذه الخلطة. فمعظم المجلات الثقافية توقف به الزمن عند سبعينات القرن الماضي، لأنها تُدار بخيال قديم، وتلعب على المضمون، بالاستعانة بأسماء تكتب الكلام نفسه في أي إصدار. وأيضاً لأنها تتعامل مع الإصدار الثقافي كوسيلة تثقيف تلقينية، بينما يجب أن يكون أولاً؛ جاذباً، ثم تأتي الرسالة، فكانت النتيجة فشلها في أن تصبح مطبوعات مؤثرة». ويؤكد سيد محمود أنه سيعتمد في تكوين فريق العمل على من يمتلك «حرفية الصحافة» أولاً، لا على مثقفين - مبدعين، يعملون في الصحافة، وستنطلق الرؤى المهنية للجريدة من الجمع بين العمق والسلاسة والبساطة، والتزام قواعد المهنة، ومن ثم فإنه سيعيد النظر في السياسات التحريرية الحالية؛ في التبويب والاهتمامات والإخراج الفني وكُتَّاب المقالات الثابتة، كونهم غير قادرين على التفاعل مع القارئ الذي أفرزته الثورة، على أن يركز المحتوى على تعميق ثقافة الاستنارة وفضح الفكر الظلامي، فضلاً عن المساعدة على تسويق المنتج الثقافي في مختلف أشكاله.