لخص وكيل الأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون، الذي زار لبنان على مدى ثلاثة أيام، «بحرص من الأمين العام بان كي مون»، كما أوضح في لقاء صحافي مصغر حضرته «الحياة» في نهاية الزيارة وفي حضور الممثل الخاص للأمين العام في لبنان ديريك بلامبلي، المواقفَ التي سمعها أو أكدها لمستقبليه، الذين حرص أن يكونوا من مختلف الاتجاهات، لكن من دون الدخول في متاهات لبنان السياسية. فالمبعوث الدولي السويدي الجنسية، الذي سبق أن فاوض منذ أكثر من عقدين من الزمن كوسيط دولي في حروب عدة لإنهائها، ومنها العراق ودارفور، التقى في لبنان رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عدنان منصور ووزير الأشغال العامة غازي العريضي، لوجود النائب وليد جنبلاط في برلين، والذي تربط إلياسون به معرفة سابقة، مثلما التقى رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، الذي تربطه به أيضاً معرفة سابقة منذ عام 2006 بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلى جانب زيارته مقر قوات يونيفيل في الجنوب وزيارة مراكز لتقديم خدمات للنازحين السوريين. وهو قال عن لقاءاته: «إنها أكدت العلاقات القوية بين لبنان والأممالمتحدة، وكيف أن السياسات المختلفة تدعم لبنان في مطلبه السيادة على أراضيه واستقلاله واستقراره طبعاً، وبحثنا ذلك من خلال وجهتين: الأولى الوضع السياسي الداخلي واستمعت كثيراً ولاحظت أهمية إيجاد أرضية مشتركة للحوار الوطني، وأعلنا دعمنا الكامل لجهود سليمان، والوجهة الثانية تتعلق بأزمة سورية». عضلات الاممالمتحدة تقلصت وإذ أشار إلى متابعته الموضوع السوري عن كثب، قال: «أعتقد أن الشعب السوري ودول الجوار ونحن في الأممالمتحدة، نشعر بالإحباط لاستمرار المعاناة، ونبذل جهدنا للتوصل إلى اتفاق سياسي، وكما تعلمون أن الانقسامات داخل مجلس الأمن تجعل الأمر صعباً جداً، ويمكن القول إن عضلات القوة للأمم المتحدة تقلصت بسبب غياب الوحدة التي حصلت بالنسبة إلى الأزمة الليبية، فهناك انقسام قوي، وهذا يترجِم ضعف إمكاناتنا لوقفها». وأشار إلى مهمة المبعوث الدولي كوفي أنان «في آب (أغسطس) الماضي ومتابعة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي المهمة، والذي بذل جهوداً كبيرة، وآخرها محاولته جمع الجانبين الأميركي والروسي معاً، وهناك بعض التقدم، لكن لا تزال هناك مسالك يجب عبورها قبل رؤية موافقة على مواقف موحدة، وإذا أردنا تحقيق هذه النتيجة فإننا نأمل بالحصول على قرار صادر عن مجلس الأمن، وفي الوقت الحالي، فإن القتال مستمر. في اجتماع مراكش (عقد أمس) أصبح هناك المزيد بين الوحدة بين أطراف المعارضة التي تتوقع المزيد من الاعتراف الديبلوماسي بها والدعم. ونأمل أن تلاحظ الأطراف أن اللجوء إلى الحل العسكري طريق خطير، لأن الفترة التي علينا انتظارها للوصول إلى حل، والذي لا بد أن يأتي يوماً، ما هي إلا فترة يقتل فيها 150 شخصاً كل يوم في سورية، الأمين العام لا يعد أياماً عندما تتعلق المسألة بالقضية السورية، إنما يعد الضحايا، وأذكر مرة أني قلت له إن الإبراهيمي سيكون في سورية خلال 18 يوماً، فإذا به يحصي عدد القتلى الذين سيقعون خلال هذه المدة. نحن نؤمن بقوة بأهمية التوصل إلى اتفاق على فترة انتقالية، وهذا وارد في مبادرة جنيف، والتوصل إلى هذا القرار قريباً أفضل من انتظار نصر عسكري، مع ما يعنيه ذلك من عدد القتلى الذين يسقطون وعدد الناس الذين سينزحون، وهذا يعني زيادة الانتقام حتى بعد التوصل إلى اتفاق على وقف النار، لكن من خلال اتفاق سياسي نقلص هذا الخطر». ولفت إلى أنه «في غياب الاتفاق السياسي، فإن للأمم المتحدة دوراً فاعلاً في مجال تأمين المساعدات للمناطق التي يتواجد فيها النازحون، مع منظمات أهلية والصليب الأحمر السوري في ظروف صعبة جداً داخل سورية، وأقدر عمليات الإغاثة التي تحصل على رغم المعارك الحاصلة حول دمشق، علماً أن حلول فصل الشتاء يعرّض الفئات الأكثر تأثراً، كالاطفال والنساء والمسنين، لمخاطر، وتأمين التيار الكهربائي في البلاد مهم. وتأكيدي هذا الموضوع هو في ضوء زياراتي إلى مراكز تتعامل مع النازحين السوريين في لبنان، كمركز «عامل» و «كاريتاس»، حيث جلست مع عائلات نازحة واستمعت إلى معاناتها ودونت ملاحظاتي على كتيب ميثاق الأممالمتحدة، الذي استعمله منذ 25 سنة، منذ أن عملت في العراق، وكنت أحتاجه دائماً، وهكذا عندما ألتقي الأمين العام وأريد أن أنعش ذاكرتي، فإني أستطيع قراءة ما دونت: «تسجيل النازحين، العناية الطبية، ناشطون سياسيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان، عائلات مشتتة، أم مع أولادها الستة، زوج في المملكة العربية السعودية، جيران اضطروا إلى المغادرة وأبناؤهم تعرضوا للخطف وعليهم دفع فدية... إنها ملاحظات جيدة عن جدية الأزمة، عن 150 ألف نازح إلى لبنان تم تسجيلهم». وهنا تدخَّل بلامبلي ليقول إن «الرقم قد يقارب 300 ألف». وقال إلياسون: «خلال كل لقاءاتي، نقلت امتناني لكيفية تعامل لبنان الكريم مع قضية النازحين، ولا كلام عن إغلاق الحدود في هذه المسألة، وإني ممتنٌّ للأمر وتفهمت في الوقت نفسه حاجة لبنان إلى المساعدات، رئيس الحكومة أثار الأمر وأنا أكيد أن الأمين العام وأنا سنعمل على القضية لتأمين الدعم الإنساني». وتحدث عن زيارته قوات «يونيفيل» في الناقورة، قائلاً: «تأثرت بالأخبار الجيدة، إذ تحدث الجميع عن استقرار الوضع على الحدود وهدوئه، صحيح أنه هش، لكن أعتقد أن القرار 1701 يتحقق في ضوء التقرير المرفوع إلى مجلس الأمن، ونواصل العمل على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ووجدت تأكيدات حول التعاون الوثيق بين قوات يونيفيل والقوات المسلحة اللبنانية وتولي الأخيرة حماية الحدود، وفهمت أن بعض هذه القوات نقل أخيراً إلى الحدود مع سورية، وإلى طرابلس، لكن لا تزال هناك شواهد على أن هناك استقراراً في البلاد ككل، ونحن بطرق مختلفة نحاول دعم الجهود لتعزيز قدرات القوات اللبنانية المسلحة مستقبلاً». ودار الحوار الآتي: هل تعتقد أن هناك إرادة سياسية لدى النظام والمعارضة للتوصل إلى حل سياسي؟ - أحب أن أرى المزيد من الإرادة السياسية من الطرفين، هناك حاجة لإدراك الطرفين أن من الأفضل التوصل إلى صيغة الآن بدلاً من الانتظار، كنت أتمنى لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي قبل سنة، أشعر بالإحباط عندما تسوء الأمور أكثر فأكثر، التضحيات تصبح أعمق والأسباب للانتقام والثأر تصبح أقوى والمرارة تصبح أوسع والحاجة للإغاثة وإعادة إعمار ما تهدم تصبح أكبر، وكما قلت سابقاً، هناك ديناميكيات مختلفة بعد أي اتفاق، لأن الاتفاق يعني أنك وافقت على شيء ما وإلا فإن الأمور ستنفجر مجدداً لاحقاً، وفي الوضع السوري، فإن الأزمة تتخذ أبعاداً طائفية ومذهبية وإثنية، وخلال ذلك، فإن الحدود القومية تفقد معناها، إذ تتداخل مع ثقافات أخرى في المنطقة، ولا حاجة لأخبركم بالأمر أنتم اللبنانيون دفعتم الثمن سابقاً». ألا توافق على أنها حرب أهلية؟ - نعم، وهذا المصطلح أعتقد أن وزير الخارجية استخدمه. إمكان تأثر لبنان بالأزمة السورية ربما تُرجِم بأحداث طرابلس، وأحياناً صيدا؟ - ندعم إعلان بعبدا بقوة، وهناك حاجة ماسة للجميع للالتزام بهذا الإعلان، ونحن متأثرون في الأممالمتحدة بأنكم في لبنان حافظتم على أنفسكم بعيداً من الأزمة السورية، كثر اعتقدوا أنكم بسهولة قد تنزلقون إلى الأزمة، لكنكم تدبرتم أمركم جيداً، وآمل أن تحافظوا على هذا الأمر، لأن البقاء على مسافة من الأزمة أمر جيد من اجل استقرار لبنان وأمنه، بالإضافة إلى أن التماسك والاستقرار داخل البلاد عاملان مهمان للبقاء خارج الازمة. المرحلة الانتقالية هل حصل تفاهم ما بين موسكو وواشنطن في شأن إعلان 30 حزيران (مؤتمر جنيف) على وجوب تنحي الأسد من السلطة؟ وهل من خطوات بين الجانبين؟ - تحدثت مع الأخضر الإبراهيمي ليل امس، ويبدو أن هناك بعض الخطوات، لكن لا تزال هناك خطوات بين الجانبين يجب التوصل إليها، لكن أعتقد أن الكلمة المفتاح في إعلان 30 حزيران هو العملية الانتقالية، وإذا قبلت بالعملية الانتقالية فتجب ملاحظة أنه يجب التغيير، والسؤال الأصعب بالنسبة إلى المرحلة الانتقالية هو متى وكيف ومن، وهناك أمل بالتوصل إلى اتفاق ما، وإذا حصل فمن السهل الترجمة إلى حلول أكثر فاعلية تعيد إلينا القوة العضلية التي كنت تحدثت عنها سابقاً. هل تعتقد أن اعتراف الولاياتالمتحدة أكثر بالمعارضة السورية قد يغير الأمور؟ - أعتقد أن اجتماع مراكش سيكون داعماً، أرحب بأن تكون المعارضة موحدة، لأنني كمفاوض أذكر في دارفور أن المعارضة كانت 18 طرفاً عام 2006، وعندما انتهيت صارت خمسة عام 2007، لكن السؤال ماذا إذا اختارت المعارضة اللجوء إلى الحل العسكري؟ كيف سيكون رد فعل العالم؟ لننتظر ما سيسفر عنه اجتماع مراكش. والرسالة المهمة اختيار حل المرحلة الانتقالية باكراً. خطط لليوم التالي لكن هناك كراهية كبيرة تتنامى في سورية كلما اشتد القتال، هل تأخذون في الاعتبار خططاً لتأمين الأمن في سورية ومواجهة هذه الكراهية بعد وقف النار؟ - هناك نقاش في نيويورك يتعلق بمرحلة ما بعد، او ما يعرف ب «اليوم التالي»، وبدايات النقاش كانت تتعلق بعمليات الإغاثة والتأهيل والمساعدات، وبرامج عن دَور القانون وبناء المؤسسات والصحة والتعليم وغيرها من الأمور. لاحقاً برزت أسئلة عن الحاجة إلى المصالحة، إلى الالتزام بها، وآمل أن تعلن الأطراف الآن التزامها بالمصالحة. أعلم أن المشاعر متأججة، لكن إذا ذهبت الأمور في اتجاه آخر، فإن السلام الذي ننشده يفقد أهميته. وعلى الصعيد العسكري، فإن الناتج سيكون المزيد من القتال والموت والتدمير من دون آمال لجيل المستقبل، كما شهدت اليوم بين النازحين، إنها حلقة مفرغة. هذا ما تفعله الحروب، وأنا شاهد على العديد منها، إنها تسمم المجتمعات، لذا يجب الأخذ في الاعتبار خلال التخطيط كيفية تحقيق عملية المصالحة، وألا نقصي منها أحداً. لا يعود الأمر لي كي أقرر، لكن لا أستبعد أن مجلس الأمن قد يفكر بحضور مراقبين أو قوات حفظ سلام إذا تطلب الأمر ذلك في نهاية القتال. هل ستكون القوات عربية أم أجنبية؟ - لست أنا من يقرر، لكن يجب أن يكون الحضور مقبولاً من السكان. يعني أنك متفائل تجاه وضع سورية؟ - آمل بأن يتم التوصل إلى اتفاق، أما مواصلة العنف، فإن مجلس الأمن بحاجة إلى مناقشة الأمر، لكن الموضوع (إرسال قوات) جزء من تفكيرنا لليوم التالي. كان لدينا 300 عنصر من الأممالمتحدة يخدمون في سورية، لكن مجلس الأمن قرر وقف مهمتهم. ذكرت أن دول الجوار يجب ان تأخذ تدابير وقائية ضد العنف الحاصل في سورية، هل يمكن أن تشرح هذه النقطة؟ - التدابير الوقائية متروكة لسياسة المجموعات لتأمين الاستقرار المطلوب، وآمل أن تتم الانتخابات النيابية قبل الثاني من حزيران (يونيو) المقبل، وإدارة قضية النازحين بشكل جيد بدعم منا، والاتفاق على سبل الدفع باتجاه اتفاق سياسي الآن أو التشجيع على مواصلة الحرب. هناك وجهة نظر أميركية تقول إن الحل العسكري ليس الأفضل لسورية، وإن اتفاقاً بين المعارضة وأعضاء في الحكومة السورية الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء السوريين سيقود إلى نهاية الأزمة، ما تعليقك؟ - وجهة نظر مثيرة للاهتمام، من قالها؟ هل ناطق أميركي؟ وردت في الصحافة الأميركية حول التعامل الأميركي مع الأزمة السورية (قالها السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد). - هل كتبت قبل اجتماع الأخضر الإبراهيمي مع وزيرة الخارجية الأميركية (هيلاري) كلينتون؟ أعتقد أنها خطوة بالاتجاه الصحيح. وزيرة الخارجية الأميركية لن تحضر اجتماع مراكش؟ - هل قررَتْ ذلك؟ أُعلن أنها مريضة وتعاني من فيروس؟ - مثير للاهتمام. عندما تتحدث عن اللاجئين السوريين لا يوجد مخيمات لهم في لبنان كما في تركيا والأردن، ولم تعطهم الدولة اللبنانية صفة لاجئ إنما نازح، وإقامات موقتة. - أعلم أن المخيمات الوحيدة في لبنان هي للفلسطينيين، وهذه مشكلة أخرى، فلدينا نحو 10 آلاف نازح فلسطيني من سورية إلى لبنان، والمخيمات تفيض بمن فيها، وهناك قلق كبير لدى المعنيين الدوليين تجاه هذه المسألة، وهذا تعقيد جديد يضاف إلى قضية اللاجئين. أداء «حزب الله» نقلت دعماً من السيد بان إلى الرئيس سليمان، هل نقلت دعماً مماثلاً إلى الحكومة والشريك فيها «حزب الله»؟ وكيف تنظر إلى أداء الحزب في الجنوب والحكومة؟ - لا أريد الدخول في القضايا الحيوية الداخلية للحكومة أو بين الأطراف المختلفة داخلها، وأستطيع القول إني تلقيت خلال لقاءاتي رسالة قوية عن النية بالعمل موحدين، وبان كي مون شجعني على زيارة لبنان ونقل دعمه للرئيس وكذلك للحكومة ورئيسها الذي ساعد في قضية اللاجئين. وتهمنا كثيراً وحدة لبنان واستقراره. هل من ملاحظات على أداء «حزب الله» في جنوب لبنان أم أنك راض عن أدائه؟ - (ضحك ولم يُجِبْ، وتولى بلامبلي الإجابة بالقول مازحاً): «كان مجرد طيران» (في إشارة إلى طائرة أيوب). ضحك إلياسون ثم خاطب بلامبلي قائلاً: «محاولة جيدة، لكنه عاد وأجاب على السؤال قائلاً: «ما لاحظته وبشكل إيجابي أن قائد القوات الدولية الجنرال سييرا تحدث عن علاقات جيدة معهم في جنوب لبنان».