على رغم تضحيات أحزاب وقوى شعبية عراقية معارضة للديكتاتورية فقد سقطت الديكتاتورية بإرادة دولية عظمى وليس بسواعد أبناء وبنات البلاد، حين شنت الادارة الأميركية الحرب وأعلنت الاحتلال وعيّنت السفير بول بريمر حاكماً فأصدر قرارات أثبتت السنوات اللاحقة ان تطبيقها عاد باضرارٍ بليغة على كيان الدولة العراقية ومكوّناتها المتنوعة الأطياف. فقد أُعلن بريمرعن اعادة تشكيل الدولة على أساس تحاصصي مذهبي اثني افترض فيه ان يعكس المكوّن الانثروبولوجي للبلاد. و تشكّلت السلطة الحاكمة على اأساس دستور جرى التصويت عليه، وانتخابات تشريعيةأُجريت للمرة الاولى منذ اعلان الجمهورية، رغم الاعتراضات على نزاهة عمليات الانتخابات، التي حكمت لمصلحتها المحكمة الدستورية العليا. وفي خضم سيادة الفوضى وعمليات الارهاب وردود الفعل المتنوعة، الداخلية والاقليمية، لعبت المرجعيات الاسلامية المذهبية الشيعية والسنيّة، دوراً كبيراً في ايصال الاحزاب الدينية الى سدة الحكم، حيث ادّعت الاحزاب الدينية بانها تمثّل المرجعيات من جهة، وبسبب توجيه رجال دين ومرجعيات بذلك أيضاً من جهة اخرى، على أرضية التخلف الفكري والسياسي الموروث من حكم الديكتاتورية البغيض لأوساط واسعة. ان تبدلاً بدأ يحصل على ذلك التوافق منذ ان بدأت المرجعية الشيعية العليا تطالب الحكومة بايلاء الاهتمام الضروري للاستجابة للمطالب المعيشية للشعب وايجاد حلول لمشاكل البطالة والفقر والكهرباء، التي لم تستجب الاخيرة، (ما أدى الى دعوة) رجال الدين الى عدم الترشح الى الإنتخابات والى عدم الانشغال بأمور الحكم التنفيذية، وترك السياسة لرجالها، حفاظاً على الدين والدولة، والانصراف أكثر الى الواجبات الدينية والنصح والارشاد. ويرى متابعون ان استمرار عدم اهتمام حكومة نوري المالكي بنداءات المرجعية الشيعية العليا، ادّى الى امتناع اية الله السيستاني عن تلبية طلبات المالكي بمقابلته مع ممثلي الحكومة. كما أدى الى ايعاز أوساط مقرّبة من المالكي لحزب «الدعوة» الحاكم، بالقيام بنشاط لاتخاذ آية الله الشاهرودي مرجعاً أعلى له، تعبيراً عن الإبتعاد عن المرجعية العليا للسيستاني. لقد وظفت الاحزاب الدينية دعم المرجعيات للوصول الى الحكم وتشديد الطائفية، ثم انجاز المحاصصة الطائفية، وهي لم تعد أحزاباً دينية كالسابق، لعدم أخذها بآراء المرجعيات الداعية الى حل المشاكل المعيشية للناس واحترام الدستور و تنفيذ بنوده الاساسية ،كمواد الحكم الفيديرالي الاتحادي،والحريات، والصحافة وغيرها، ولعدم التزام الحكومة حرمة استقلالية الهيئات الدستورية المعترف بها دولياً، كهيئات مفوضية الانتخابات، والمحكمة الدستورية العليا، والبنك المركزي وغيرها. ان الوضع يسير نحو زيادة الفردية، التي تتوضّح بمحاولة الحكومة تمييع قضية تحديد ولاية الرئاسات الثلاث عملاً بروح الدستور، ومحاولتها جمع مؤيدين وراءها من كل الاطياف المذهبية، بشخص رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، مؤدية وسط تساؤلات واسعة الى احتمالات ان تكون المحاصصة بقيادة فرد او حزب قائد ضرورة، بعد عشر سنوات على مسيرة سياسية يفترض فيها انها أسست وطوّرت مفهوم التعددية والمشاركة وتقبّل الآخر، ويفترض انها استطاعت خلالها تأسيس دولة فيديرالية قائمة على الانتماء الى الوطن الواحد والتزام الدستور. و يحذّر كثيرون من زيادة مفاهيم وتعابير القوة والعنف في الخطاب السياسي للحكومة و للكتل المتنفذة، اضافة الى تزايد استخدام الحكومة التهديد بالعنف وجمعها القوة اللازمة لتنفيذ ذلك وزيادة صرف أموال طائلة لا لزوم لها الآن على التسليح كمّاً ونوعاً. كل هذا، اضافة الى ما يجري بين الاحزاب الدينية والمرجعيات، قد يؤدي الى افتراق عن مرجعية السيستاني والمرجعيات ذات المواقف الوطنية من جهة، و الى مسلسل خلافات وصدامات ودماء واغراءات بمناصب وأموال، من جهة اخرى، ليعود الحكم الى سكة الحاكم السابق، سكّة حكم حزب حاكم او فرد ضرورة حاكم «يراعي» تناسب التكوينات التي «راعتها» حتى الديكتاتورية المنهارة حين حسبت ذلك في تكوين قيادة الدولة حينها بقيادة حزبها الحاكم المقيت.