نجحت المرجعية الشيعية العليا في النجف بصعوبة في منع استخدامها كوسيلة دعاية سياسية للطرفين الشيعيين الرئيسين اللذين يتنافسان على قرابة نصف مقاعد البرلمان العراقي. وينقل سياسيون من قائمتي «الائتلاف الوطني العراقي»، بزعامة المجلس الاسلامي الاعلى، و «ائتلاف دولة القانون»، بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، اتهامات متبادلة حول محاولات حثيثة لنيل دعم معنوي من المرجعية كان حسم عام 2005 الانتخابات العراقية لمصلحة كتلة «الائتلاف الموحد» التي كانت تضم كل الفرقاء الشيعة. لكن المرجع علي السيستاني الاكثر نزوعاً الى حماية المرجعية الشيعية من التداخلات السياسية بدا اكثر اصراراً في هذا الموسم على ابعاد المرجعية عن الصراع السياسي. ويقول رجال دين شيعة خارج نطاق الاحزاب الدينية ان المرجعية شعرت بان الوسط السياسي الذي دعمته عام 2005 انشغل بالمكاسب السياسية والحزبية وعرض البلاد الى حرب طائفية طاحنة. واعلان السيستاني حياده خلال الانتخابات الحالية، في بيانات وتأكيدات مكررة خلال الاسابيع الماضية أعقبها إرسال مندوبين عنه الى جميع المدن العراقية لتأكيد هذا الحياد، يوصف باعتباره محاولة لاعادة تكريس موقع المرجعية بعيداً عن أجواء التنازع السياسي التي صاحبت نتاجات أداء الطيف السياسي العراقي الحالي. وتملك مرجعية النجف شبكة اتصالات تاريخية مباشرة مع الشيعة في كل مكان في العراق عبر المندوبين والممثلين عنها لكن السيستاني، بحسب المقربين منه، كان يفتح بابه أمام الأهالي من مناطق عراقية مختلفة ويستقبل زواراً سنة ومسيحيين ومغتربين في الخارج لتكوين تصور يبدو أكثر وضوحاً اليوم حول الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد وأداء الطبقة السياسية التي قادت الحكم للسنوات السابقة. ويدافع السيستاني بقوة عن استقلالية المرجعية الشيعية عن نظام الحكم لتكريس نظرية النجف التي تقف على طرف النقيض مع نظرية قم الايرانية لجهة تبني الاخيرة مفهوم «ولاية الفقيه» أو «المرجع الديني الحاكم». وعلى رغم ان السيستاني أو أحد ممثليه لم يتطرق طوال السنوات الاربعة الى دعمه طرفاً سياسياً للوصول الى السلطة عام 2005 إلا أن تحديات كانت ظهرت شعبياً حتى داخل النجف لمحاولة تحميل المرجعية مسؤولية ذاك الموقف الامر الذي بدت ملامحه بصورة جلية في نتائج انتخابات المحافظات بداية عام 2009. والخلاف السياسي الشيعي – الشيعي الذي انطلق بشكل انشقاق كبير بين جبهات المالكي والحكيم والصدر والجعفري وتمخض خلال الانتخابات الحالية بصفين يبرر أيضاً حرص المرجعية على عدم الخوض في تفاصيل المناكفات السياسية خصوصاً أن الحفاظ على الوحدة الاجتماعية تحت سقف المرجعية يتسامى بحسب مراقبين على الخلافات السياسية والحزبية بعدما كانت المخاطر من تفاقم الصراع بلغت ذروتها بمواجهات مسلحة. وتؤكد مرجعية النجف ان وحدة العراق واستقلاله في مقدم أولوياتها لكن الحفاظ على وحدة المرجعية ككيان روحي له أولوية متقدمة أيضاً وهو يبرر أيضاً الحياد السياسي في ضوء قدرة السياسة من حيث كونها مدخلاً للخلاف على التسرب الى داخل الصوت الديني نفسه. لكن الاحزاب الدينية الرئيسة التي خسرت كما يبدو اية فرصة للحصول على دعم حتى وان كان غير مباشر لا يزال بعضها يحاول تزوير مواقف المرجعية عبر توزيع منشورات باختام مزورة اعلنت النجف براءتها منها او توزيع ملصقات اعلانية تحمل صورة السيستاني او ترويج شعارات انتخابية نحو «انتخب المرجعية!». واغلق المرجع السيستاني ابوابه في وجه السياسيين الى نهاية الانتخابات وكان يستبق كما يبدو محاولات لتحويل زيارات السياسيين اليه الى دعاية انتخابية. وعكف معظم السياسيين العراقيين على زيارة السيستاني خصوصاً خلال الخلافات الكبيرة التي عصفت بالعراق وكثيراً ما قُرئت تلك الزيارات ونتائجها بطرق مختلفة واستخدمت في اوقات مختلفة أيضاً كوسيلة دعم سياسي غير مباشر على غير مقاصد السيستاني الذي يقول المقربون منه ان بابه «مفتوح للجميع».