تسجل ذاكرة المواطن البسيط، أن أمير منطقة في السعودية وقف يوماً أمام حشد من التربويين، ليقدم تشخيصاً دقيقاً نادراً لمشكلات التعليم في بلاده، لم يجرأ بالوصول إليها أحد من خبراء التربية والتعليم في البلاد. وتحفظ ذاكرة المواطن نفسه، أن أمير المنطقة ذاته طالب بتغيير جذري للنظام الصحي في وزارة الصحة في البلاد، التي شبه جهودها الإصلاحية بمن يعالج أعراض البكتيريا وينسى القضاء على الفايروس، فلم يعهد السعوديون أن يروا أمير منطقة يزيد على وفائه بحاجات أهل منطقته، بأن يظهر هذا الحس الرقابي في شؤون تعليمهم وصحتهم، كما يفعل أمير منطقة حائل حالياً سعود بن عبدالمحسن. ففي وقت باكر من العام الحالي 2012 شغل سعود بن عبدالمحسن أوساط المعلمين وأولياء الأمور ورجالات التربية والتعليم، حين وجه في حفلة جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي في المنطقة الشرقية، سياط نقده إلى وزارة التربية والتعليم، وطالبهم برفع وصاية الفئة القليلة من المجتمع السعودي على التعليم، وأن يكون هناك دور للأكثرية الصامتة، وبيّن الأمير سعود حينها - كما نشرت «الحياة» وقتها - بأن سياسة وزارة التربية حوّلت مدارسنا إلى قاعات يملؤها الضجر والملل، كما حولت المناهج إلى ميدان لصراع عقيم بين مدارس فكرية لا علاقة لها بالتربية والتعليم، ما عده المراقبون حينها أحد أهم وأدق التشخيصات لما تعانيه وزارة التربية والتعليم. وعادت الانتقادات اللاذعة لأداء الأجهزة الحكومية من سعود بن عبدالمحسن إلى الواجهة مرة جديدة، بالتزامن مع الضجة التي قدح شرارتها استقالة مدير مستشفى حائل العام أخيراً، اعتراضاً على عجزه عن تطوير أداء المستشفى ومنع الأخطاء فيه، فضلاً عن عدم تجاوب المديرية العامة للشؤون الصحية مع ملاحظاته المتكررة. وحينما كان رد فعل وزارة الصحة لهذه الاستقالة بارداً وغاضباً، جاءت قصة وفاة امرأة بسبب انقطاع الأوكسجين عن مرضى المستشفى في العناية المركزة، لتفتح نافذة انتقادات الأمير سعود بن عبدالمحسن ومتابعته لأداء وزارة الصحة، إذ اجتمع مع المستقيلين من المستشفى واستمع إلى ما لديهم، قبل أن يطلب من وزير الصحة تشكيل لجنة تحقيق يشارك فيه مسؤولون من الإمارة، تابع أداءها وطالب الوزير بدعمها. وما لبث الأمير سعود أن أعلن في تصريحات صحافية قوية ضد وزارة الصحة، قال فيها: «إن النظام الصحي في المملكة بحاجة إلى نظرة شاملة، وتعديل جذري يحدد المسؤولية بشكل دقيق، ولا أعفي الوزارة من المشكلة كونها كبيرة، والأمور مرتبطة ببعضها البعض بين الصلاحيات والإحساس بالمسؤوليات»، لافتاً إلى أن «الطاسة ضايعة» في ما يخص الأخطاء الطبية والتحقيقات في أسبابها الحقيقية وآخرها وفاة المرأة في مستشفى حائل. ولا يبدو أن تصريحات الأمير سعود وآرائه في الصحة والتعليم ستكون الأخيرة، غير أن المواطن البسيط يحلم بألا يكون الأمير سعود آخر المسؤولين الذين تعدت همومهم هموم مناطقهم وإدارتهم لتشمل قضايا جوهرية لكل المواطنين.