حينما يرتبط الإرث التاريخي بأحد المدن أو المحافظات فمن الصعوبة التعدي على هذا الإرث أو الهوية التي لازمت هذه المدينة منذ آلاف الأعوام، ولا شك أن شجرة «الغضا» في متنزهات محافظة عنيزة البرية تمثل قيمة تاريخية لسكان المحافظة، ولهذا ارتبط اسم «الغضا» بالمهرجانات السياحية والمناشط الأخرى. وأثار قرار بلدية المحافظة الأخير باستحداث طريق جديد يقطع متنزه الغضا حفيظة السكان، واستفز مشاعرهم للعشق الأزلي الذي تربع في قلبوهم لهذه الشجرة، ويستغرب الكثير حال العشق التي يعيشها سكان عنيزة مع هذه الأشجار الهرمة التي لا تعكس أي جمال ولا تصدر أية رائحة، غير أن رائحة دخانها لا تزعج ولا تُمل وتعد أفضل الأشجار للاحتطاب، وهذا ما حدا بأمانة القصيم وهيئة حماية الحياة الفطرية منع الاحتطاب وتجريمه. وبادر المواطن سليمان الخويطر أحد سكانها بصحبة أبنائه على زراعة هذه الشجرة والمحافظة على أرث محافظته التاريخي، فأخذ يبحث عن بذورها حتى استطاع بعد محاولات عدة التوصل إلى زرع أكثر من 20 ألف شجرة غضا، وخصص لها محمية خاصة بهدف تكاثر الشجرة وحمايتها من الانقراض بعد تكاثر الرعاة والاحتطاب الجائر، ويعد متنزه «الغضا» المتنفس الوحيد لسكان المحافظة، وفيه تنصب الخيام وبيوت الشعر في فصل الشتاء، وتقام المناشط السياحة الشتوية، إضافة إلى ذلك يقصده الكثير من سكان المنطقة لتوافر جميع الخدمات والاهتمام الكبير الذي يجده «الغضا» من سكان المحافظة. وعلى رغم الاعتراضات الواسعة عبر مواقع التواصل الإلكتروني تجاه قرار إقامة شارع رئيس تحت وسم (#غضا_عنيزة_ينتهك)، واللهجة الحادة التي فضلها أعيان المحافظة أثناء مقابلة المحافظ لإيقاف المشروع الذي اعتبروه انتهاكاً لأهم معالم محافظتهم، وطمس تاريخ عريض ارتبط بعنيزة، إلا أن بلدية المحافظة أغلقت كل سبل التواصل مع مطالبات السكان، ولا زالت تصر على البدء في المشروع. وشهد الثلثاءالماضي اجتماع ودي جمع المحافظ ورئيس البلدية بعدد من أعيان المحافظة ورجال الصحف الإعلامية لثني أصحاب القرار عن إقامة هذا المشروع وإيقاف الشروع فيه، وتخلص حول أهمية «الغضا» مؤكدين للمحافظ ورئيس البلدية أنهم يمثلون جميع سكان المحافظة، وجاؤوا لهذا الاجتماع لإيقاف هذا المشروع أو إيصال صوتهم لأمير المنطقة. وعلمت «الحياة» أن بلدية عنيزة حولت اعتماد المشروع لوزارة الزراعة التي رأت أن من المصلحة العامة إقامة هذا الطريق لتوسع المحافظة من الجهة الجنوبية الغربية، كون الجبال والوادي يحدونها من الجهتين الغربية والشمالية. إلى ذلك، يرى وائل المطيري أحد سكان المحافظة أن المصلحة العامة أهم و«الغضا» من زمن طويل ينتهك من بعض العابثين الشباب والمتنزهين، وتسأل لماذا لم تثر ثائرة هؤلاء طوال هذه الأعوام التي ترك فيها هذا المتنزة متسخاً من أعمال العباثين، وحينما جاءت مصلحة المحافظة والمصلحة العامة هبوا لإيقاف مشروع حيوي سيكون ذا تأثير إيجابي على المحافظة، فيما خالف المطيري الكثير من سكان المحافظة، ولم يتفقوا معه في ما ذهب إليه. وقال فهد العقيلي: «فكرة إنشاء طريق يخترق متنزهات الغضا أو فكرة تعديل مساره لتقليل الأضرار كلاهما مرفوض تماماً، لأن ما سيحدث في الحالين سيجعل غضا عنيزة ينتهك» . وأضاف: «ننتظر أن تتدخل الهيئة العليا للسياحة والهيئة العليا لحماية الحياة الفطرية لمنع تنفيذ الطريق الذي سيخترق ويدمر إرثنا التاريخي ومتنزهنا الوحيد».