حين فكر الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي في إصدار الإعلان الدستوري، وأثناء بحثه الأمر مع مساعديه في مؤسسة الرئاسة وإخوانه في «الجماعة»، من المؤكد أنه لم يتصور أن تؤول أحوال البلاد إلى ما هي عليه بسبب الإعلان، وأنه سيضع نفسه في الموقف الذي هو فيه الآن، وهذا قصور يستوجب عليه مراجعة نفسه ولوم مساعديه وعتاب إخوانه. من البديهي هنا الإشارة إلى أن النخبة السياسية المكونة لما يعرف باسم «القوى المدنية» ليست دائماً سليمة النوايا أو أن تصرفاتها أو أفكارها تخلو من الانتهازية أو النفعية أو الأخطاء لكنها تبقى في موقف المعارضة ولا تملك آليات الحكم التي هي كلها في حوزة الرئيس وحزبه وجماعته. ومع ذلك صنع مرسي أزمة بدلاً من أن يدير الأزمة التي كانت قائمة بالفعل حيث الصدام في شارع محمد محمود ورفض منافسيه ومعارضيه الجمعية التأسيسية للدستور والمواد التي جرى إقرارها من الجمعية كمشروع لدستور مصر ما بعد الثورة، أو ما بقي من رواسب في أزمته مع النائب العام (المُقال) المستشار عبد المجيد محمود والهجوم اللفظي المتبادل بين رموز الإخوان و»حزب الحرية والعدالة» من جهة وبعض القضاة من جهة أخرى. ناهيك عن أزمة العيش في مصر التي يدفع ثمنها البسطاء ممن يلهثون وراء لقمة العيش من دون أن يجدوها أو فرصة للعمل فلا ينالوها، أو كمية من السولار فلا يقتنصوها فيكتوون بنار الأسعار ويعانون سوء الحرمان وضيق الحياة. هكذا صار الحال، الرئيس الآن في موقف صعب وضع نفسه فيه، وهو الذي كان المصريون ينتظرون منه أن يحل طلاسم ويفك ألغاز وينزع ألغام أخرى كانت بالفعل موجودة وقائمة وتتفاعل. لا جدوى من الدخول في أتون مبررات أطراف الأزمة، فكل منها يعتقد أنه على صواب فلا مجال لاقناع «الإخوان» خصوصاً والإسلاميين عموماً بأن الرئيس أخطأ بإعلانه الدستوري فلهم أسانيدهم أو حتى مزاعمهم، أو محاولة إقناع القوى غير الإسلامية بأن تقبل بالإعلان لأنه موقت أو على أساس أن الرئيس لن يستخدمه ليعصف بمعارضيه لأن لديهم مبررات أو حتى إدعاءاتهم، أو دعوة القضاه مثلاً للتراجع عن قرارات ناديهم أو فض إضرابهم لأن لديهم مواقفهم أو حتى ثأرهم. نعم كل طرف يعتقد أنه في الموقف الصحيح ولن يفضي النقاش معهم سوى إلى «تقطيع هدوم» الطرف الذي يتطوع بالوساطة أو اتهامه بالركوع للسلطة وموالاتها أو انضمامه إلى فلول النظام السابق! أما قول مؤيدي الرئيس بأن القوى المدنية أو فلول النظام السابق انتهزوا الفرصة واستثمروا خطوة الإعلان الدستوري ليعيدوا الناس إلى الميدان ويقسموا المجتمع ويضغطوا على الإسلاميين لتحقيق مميزات في «كعكة» الحكم أو إفشال الرئيس وتهديد خططه ورؤاه الإصلاحية، فإن هذا التحليل بفرض صحته، يغفل الإجابة على السؤال: ومن منح هذه القوى تلك الفرصة من دون حتى أن تسأل: وأين هذه الرؤى وتلك الخطط؟. عموماً وبافتراض تعنت القوى المدنية وانتهازها الفرصة فإن من صنع الأزمة عليه أن يحلها، إلا إذا كان يعتقد أنه لا أزمة أصلاً أو يصدق أن حشود «الإخوان» والإسلاميين في الميادين والشوارع وأمام القصر كفيلة بأن «تخيف» المعارضين للإعلان الدستوري، أو أن قنابل الغاز ستقضي على قاذفي الحجارة والمولوتوف في محمد محمود وقصر العيني وميدان سيمون بوليفار! نعم هناك أزمة كبيرة يتعين على الرئيس أن يحلها قبل أن يفلت الزمام من الجميع ويتحول النضال السلمي إلى «جهاد» من طرف أو عنف من أطراف أخرى. وليس سراً أن حرق مقار «الإخوان» في بعض المحافظات مجرد نذر لمواجهات قد تتسع وتنتشر إذا ما ضاقت واستحكمت حلقاتها من دون أن تفرج. قد يرى بعضهم أن تراجع الرئيس يضر به ويدفع منافسيه إلى «الطمع» في تنازلات أخرى. ومن دون مواربة، إن القول صحيح والإعلان الدستوري كان السبب ومنح هذه الأطراف الفرصة لتزيد من مكاسبها. والمخطئ عليه أن يتحمل قدراً من الخسائر ليصحح الخطأ ويدفع الثمن وينقذ نفسه والبلاد من الكارثة. إذ إن التعنت والإصرار والمضي في سبيل الإعلان الدستوري الذي صدر قبل أن يتمكن الرئيس وحزبه وجماعته من تجاوز أزمة «ذكرى محمد محمود»، سيجعل المصريين على موعد كل عام ليتذكروا ما جرى، وهم يطالبون بحقوق الشهداء حين يحتفلون بذكرى «ذكرى محمد محمود».