انفجار الباص في تل أبيب إن كان مشروعاً لتفخيخ مسودة اتفاق وقف النار بين إسرائيل و «حماس»، فالأرجح أن الأنظار سرعان ما تحوّلت إلى إيران والفصائل الفلسطينية التي تدور في فلكها، لإطالة عملية «عمود السحاب» الإسرائيلية، ونزع ورقة التفرد بالإشراف على التهدئة من يد «حماس»... والضامن المصري. وحديث الإسرائيليين عن «اعتراف دولي قوي» تكسبه حركة «حماس» من خلال اتفاق التهدئة الذي تأخر إعلانه، يشبه إلى حد بعيد إعتراف الغرب والأميركيين بصعود «الإخوان المسلمين» بعد «الربيع العربي»، وحتمية التعامل معهم عبر حكوماتهم. وأما التعقيدات الأخرى المرتبطة بطبيعة النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي، والانقسام بين الفلسطينيين، فتجعل مصر «الإخوان» الحاضنة الأولى ل «تأهيل» حركة «حماس» وتكليفها منع إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة، أي منع إيران من استخدام بعض الفصائل في عروض القوة التي تستغلها كلما احتاجت الى توجيه رسائل إلى واشنطن وتل أبيب. والرسالة هذه المرة، المدموغة بالضربات الصاروخية على تل أبيب والقدس، لا تتوقف عند حدود تحويل الأنظار عن معركة مصير النظام السوري، بل تأتي- بعد طائرة «أيوب» التي أطلقها «حزب الله»- بمثابة عرض «ردعٍ» للمقايضة مع أي مشروع حرب يفكر اليمين الإسرائيلي بشنّها، لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. يفرض منطق الرسائل بالتالي، عدم تمكين «حماس» من التحكم بقدرة الفصائل الأخرى الفلسطينية على تحريك الصواريخ، كلما شاءت طهران، لحسابات تتعلق ببرنامجها النووي، وتمسكها بموطئ على البحر المتوسط... في انتظار ما ستؤول إليه الحرب في سورية. وما نُقِل عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في شأن تفاهمات تضمنها مصر وتضع «حماس» أمام «اختبار جدي» لفرض سيطرتها على التنظيمات، إذ يكلّف الحركة منع ما يستهدف «أمن إسرائيل»، يختبرها كذلك محاوراً بديلاً لسلطة محمود عباس... إن لم يتراجع عن طلب صفة الدولة - المراقب لفلسطين في الأممالمتحدة. تتعارض إذاً مصالح إيران ومصر في قطاع غزة، و «حماس» خارج المظلة السورية- الإيرانية لم تعد «حماس» التي خاضت حرب 2008. للقاهرة مصلحة في استعادة دور إقليمي تحت صورة «الإخوان المسلمين»، والتجاوب مع طلب الأميركيين تدخّلاً للتهدئة في غزة، أصرّ عليه الرئيس باراك أوباما في اتصالاته بالرئيس محمد مرسي المشمئز من «مهزلة العدوان الإسرائيلي» على غزة. ليست كزلّة لسان مرسي في حديثه عن «المهزلة» المجزرة في غزة، هرولة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الى المنطقة، لتبلغ الإسرائيليين ان التزام واشنطن أمنهم «صلب كالصخر»، ولتشدّ على يد مرسي برسالة «تأهيل اخوان غزة»، فالبديل «اضطراب» إقليمي وعجز عن غلّ يد نتانياهو. ولكن، رغم ظلال الشكوك التي أرخاها تفجير الباص ليتمدد غباره الى مشروع التفاهمات، لم يكن يحتاج عناءً كثيراً كشف عقدة رفع الحصار عن قطاع غزة. صحيح ان «حماس» تريده لتعلن تحقيق «انتصار»، لكنّ الأكيد ايضاً أن نتانياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية، لن يُقدِم على «تنازل» بهذا الحجم. وبمخرج التسعين يوماً، فترة «اختبار» لقدرة «حماس» على منع إطلاق الصواريخ، سيمكنه تأجيل ملف فتح المعابر إلى ما بعد الانتخابات. أما الحركة فسيمكنها إعلان انتزاع موافقة إسرائيلية على وقف الغارات والاغتيالات. واضح ان القتل الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة، صرف الانتباه موقتاً عن قتل السوريين في سورية، رغم الفارق الكبير في الحصيلة اليومية لأعداد الشهداء. على الهامش، إيران «توبّخ» العرب لتلكؤهم في تسليح غزة، وأميركا «توبّخ» أردوغان لقسوته في التنديد بإسرائيل. والحال أن حكومة نتانياهو التي تريد «خمس سنوات من الهدوء» مع قطاع غزة، ستستفيد من دروس «الردع الصاروخي»، واختبار «الربيع العربي» فيما تبتلع أراضي الضفة، وقرار السلطة الفلسطينية، وتترك إلى حين مصير الملف النووي الإيراني في عهدة واشنطن. في الظاهر، يذكّر رفض واشنطن مشروع بيانٍ روسياً لمجلس الأمن حول «عمود السحاب»، بالفيتو الروسي في الملف السوري، لكن الفوارق هائلة، وبينها أن سورية تشهد حرباً لإنهاء نظام، فيما تشهد غزة جولة لتأهيل «نظام إخوان حماس» في الحاضنة المصرية الجديدة. وما بين دمشق والقطاع، تتقلب أحوال «الربيع»، وتُشذَّب معه الأصابع الإيرانية. فهل ترضخ حركة «الجهاد الإسلامي» ل «حماس»، وهل يطمئن عباس الى ما وراء التهدئة الطويلة بين إسرائيل وغزة؟ سُحُب أزمة طويلة بين القاهرة ورام الله.