خلال ساعات فقط، أنجز الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارتين تاريخيتين، إلى ميانمار التي بدأت رحلة الخروج من عزلة دولية امتدت عقوداً، والثانية إلى كمبوديا التي عُرفت طويلاً عبر «حقول القتل» التي شهدتها أثناء حكم «الخمير الحمر». وحظي أوباما باستقبال الأبطال في ميانمار، حيث هلّل له عشرات الآلاف من المواطنين، وأعلن مدّ «يد صداقة» لشعبها، مشدداً على أهمية وقف العنف بين بوذيين من عرق الراخين ومسلمي أقلية الروهينجيا، على مستقبل البلاد. أما في كمبوديا فأجرى أوباما محادثات «متوترة» مع رئيس الوزراء هون سين، إذ طالبه بتحسين سجل بلاده في حقوق الإنسان. وبات أوباما أول رئيس أميركي يزور كمبوديا التي تشكّل المحطة الثالثة والأخيرة في جولة شملت تايلاند وميانمار، وحيث سيشارك في قمة «رابطة دول جنوب شرقي آسيا» (آسيان) التي شهدت امس خلافات بين أعضائها حول كيفية تسوية الخلافات مع بكين في النزاع على السيادة على جزر في بحر الصين الجنوبي. وفي بنوم بنه حيث لقي استقبالاً متواضعاً، التقى أوباما هون سين، في اجتماع أشار مسؤولون أميركيون إلى أنه كان متوتراً، اذ ركّز الرئيس الأميركي على قلق بلاده إزاء سجل كمبوديا في حقوق الإنسان، وخصوصاً الامتناع عن تنظيم انتخابات نزيهة واعتقال سجناء سياسيين ومصادرة أراضٍ. وقال بن رودس نائب مستشار الأمن القومي الأميركي إن أوباما ابلغ هون سين أن تلك المسائل تشكّل «عقبة» أمام تعزيز العلاقات بين الولاياتالمتحدة وكمبوديا. وأضاف أن هون سين دافع عن سجل بلاده، عازياً سياساتها وممارساتها إلى «ظروف فريدة». ميانمار ووصل أوباما إلى كمبوديا آتياً من ميانمار حيث اصطف عشرات الآلاف على جانبي الطريق، حاملين أعلاماً ومرديين «أميركا». كما حمل بعضهم يافطات كُتب عليها «أهلا أوباما» و«الأسطورة، بطل عالمنا». والتقى أوباما رئيس ميانمار ثين سين الذي ينفّذ إصلاحات ديموقراطية أخرجت البلاد من عزلة دامت نحو 5 عقود، خلال حكم مجلس عسكري، وزعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي. وفي مجاملة لثين سين، استخدم أوباما كلمة «ميانمار» في الإشارة إلى البلاد، وهو الاسم المفضل للحكومة والمجلس العسكري الحاكم سابقاً، فيما يؤثر الناشطون السياسيون والولاياتالمتحدة، اسم «بورما». وتطرّق أوباما إلى الإصلاحات، مشيراً إلى ثين سين الذي كان إلى جانبه: «قلت له إنني أدرك أن هذه خطوات أولى فقط، في رحلة ستكون طويلة. لكننا نعتقد بأن عملية الإصلاح الديموقراطي والاقتصادي التي بدأها الرئيس، يمكن أن تؤدي إلى فرص تنمية معقولة». وقال ثين سين: «اتفقنا على تطوير الديموقراطية في ميانمار وتعزيز حقوق الإنسان، لتتماشى مع المعايير الدولية». وخلال لقائه سو تشي في منزلها، اعتبر أوباما زعيمة المعارضة مصدر إلهام شخصي، بوصفها «رمزاً للديموقراطية ألهمت الناس، ليس فقط في هذا البلد، ولكن في العالم». وأضاف «يشكّل اليوم الخطوة التالية في صفحة جديدة بين الولاياتالمتحدة وبورما». أما سو تشي فاعتبرت أن «اللحظة الأكثر صعوبة في المرحلة الانتقالية، هي عندما يكون النجاح في المتناول، وعلينا حينها أن ننتبه جداً لئلا يخدعنا سراب النجاح». وألقى أوباما خطاباً في جامعة يانغون، احد ابرز مراكز النضال من اجل الديموقراطية، ومدّ خلاله «يد الصداقة» لميانمار، قائلاً: «الولاياتالمتحدة معكم. يجب ألا تنطفئ شعلة التقدم الهشة وأن تتحوّل نجماً يرشد شعب الأمة». وتطرق إلى العنف بين بوذيين ومسلمين، الذي اسفر عن مقتل 180 شخصاً، معتبراً أن «لا عذر» للعنف، وزاد: «الروهينجيا يتمتعون بالكرامة ذاتها، مثلكم ومثلي. المصالحة الوطنية ستأخذ وقتاً، لكن حان الوقت لوقف الاستفزازات والعنف، من اجل إنسانيتنا المشتركة ومستقبل هذا البلد».