في عام 1982 تم تجريد مسلمي الروهينجيا من الجنسية البورمية، ليصبحوا اليوم أقلية مضطهدة بلا وطن. وزاد بؤسهم في الأشهر الأخيرة حين قام البوذيون الذين حرضهم على العنف السياسيون المحليون وحتى الرهبان، بمهاجمة قرى مسلمة في ولاية راخين الغربية. وفي حوادث ثارت فيما يبدو من جراء اغتصاب وقتل امرأة بوذية شابة في أيار (مايو)، قتل ما لا يقل عن 170 مسلماً وأجبر نحو 100 ألف على النزوح عن ديارهم إلى مخيمات. وتأتي أعمال العنف فيما يعم تفاؤل غير مسبوق – وهو مبرر في الغالب – في ميانمار. ففي الأشهر ال18 الماضية، شهدت البلاد تحولاً مذهلاً من دكتاتورية إلى ديمقراطية هشة بعض الشيء، ما جعلها تستحق زيارة رسمية من باراك أوباما، رئيس الولاياتالمتحدة. ومن المفارقات أن الشعور الجديد بالحرية ربما سمح للكراهية الطائفية المقموعة في السابق بأن تطفو إلى السطح وتتضخم بصورة مرعبة. لقد عاش العديد من المسلمين من أصل بنجالي، يقدر عددهم ب800 ألف شخص، في ولاية راخين على مدى أجيال، على الرغم من أن بعضهم ربما قدم أخيراً. ويزعم بعضهم أن ملوك مسلمي الروهينجيا حكموا المنطقة لأكثر من 100 سنة في وقت مبكر من القرن الخامس عشر، وليس هذا ما يراه معظم بوذيي راخين الذين يعيشون في البلاد. فهؤلاء يرون أن من يسمون أنفسهم بالروهينجيا ينتمون ببساطة إلى البنجاليين المتطفلين وأنهم مسلمون وصولوا حديثا ويحالون الاستيلاء على أرضهم. ووفقاً لهذه النظرة التي يتشاركها أغلبية سكان ميانمار البوذيين، فإن الروهينجيا وفدوا إلى البلاد في القرنين الماضيين، وأن البريطانيين هم من جاؤوا بهم من منطقة شيتاجونج البنجالية لتشغيلهم في حقول الأرز. ويرفض كثير من البوذيين حتى كلمة روهينجيا، معتبرينها من اختراعات العصر الحديث. لا يروق للعديد من أهل بورما الذين اعتبروا خطاب أوباما في جامعة يانجون هذا الأسبوع خطاباً ملهماً، إشارته إلى قضية الروهينجيا. وفي الجزء القوي من خطابه، اعترف الرئيس الأمريكي بأن "كل أمة تناضل من أجل تحديد موطنها" ومع هذا فليس هناك عذر للعنف ضد الأبرياء، بحسب قوله، والمبادئ العالمية تطبق على الجميع، بغض النظر عن الدين الذي يمارس، أو من أين أتوا، أو ما إلى ذلك. وهذا يتناقض مع رسالة مينت أونج يو، القنصل العام السابق لميانمار في هونج كونج، الذي قارن في عام 2009 بين الروهينجيا ذوي البشرة "البنية الداكنة" وأهل بورما أصحاب البشرة "الفاتحة والناعمة". وقال: "في الواقع الروهينجيا ليسوا من شعب ميانمار ولا هم مجموعة عرقية في ميانمار". وميانمار 2009 التي تتمثل في المجلس العسكري المعزول وغير المرغوب فيه، تختلف اختلافاً كبيراً عن ميانمار اليوم. تسير نحو الانفتاح والتحرير بوتيرة نادراً ما نراها في التاريخ الحديث. فالحكومة بقيادة الرئيس ثين سين، لديها الآن فرصة لتظهر للعالم مدى التغير الذي وصلت إليه. ومشكلة الروهينجيا، التي لديها ما يؤهلها لأن تكون كارثة إنسانية على نطاق مروع حقا، تقدم للحكومة فرصة لإثبات أنه لا يمكنها فقط أن تلبي طموحات شعبها، ولكن أيضاً أن تكون رائدة. في حزيران (يونيو) الماضي، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وأرسلت الآلاف من الجنود لحماية الروهينجيا، وهذا تطور غير عادي. فالجيش الذي قاد لسنوات الاعتداء ضد الأقليات العرقية، يجد نفسه الآن حامياً لإحدى المجموعات الأكثر ضعفاً في البلاد. وفي هذه القضية لم تلبس أونج سان سو كي، زعيمة المعارضة، ثوب المجد حين دعت إلى إرساء القانون والنظام وتمسكت بالصيغة التي مفادها أن "كلتا الطائفتين عانت من انتهاكات حقوق الإنسان وأن كلتيهما انتهكت حقوق الإنسان أيضاً". هذا صحيح، لكن من قال إن هذا يشبه انتهاك البيض والسود لحقوق الإنسان في جنوب إفريقيا. وإبراز أوجه الشبه بين الحالتين ليس بالمهمة العسيرة. فمنذ تجريد المسلمين من جنسيتهم صُنفوا على أنهم سكان مؤقتين، مطلوب منهم شراء بطاقات تسجيل، والحصول على إذن للسفر بين القرى، وكذلك الحصول على إذن حتى للزواج وإنجاب أكثر من طفلين. ومن فروا منهم إلى بنجلادش أعيدوا بلا رحمة إلى ميانمار، أو اقتيدوا كالقطيع إلى معسكرات اعتقال كريهة الرائحة. وفي الأيام الأخيرة، بدأ ثين سين التحرك في الاتجاه الصحيح، حين قال في رسالة إلى الأممالمتحدة إن الحكومة ستدرس جميع الحلول "التي تراوح بين إعادة التوطين ومنح الجنسية". وقال أيضا بعد مزاعم من وكالات الإغاثة إنها لا يمكنها الوصول إلى العديد من المتضررين إن ولاية راخين قد تكون أيضاً مفتوحة تماما أمام المساعدات الإنسانية. إن أكبر تحد أمام ميانمار - حتى أنه أكبر من الانتقال إلى الديمقراطية – يتمثل في تسوية قضية الأقليات العرقية من خلال إنشاء اتحاد فيدرالي. وبهذا تنتهي بعض حركات التمرد الأطول في العالم بشكل نهائي. ولا تزال الحرب مستعرة مع متمردي الكاشين في شمال البلاد. لكن خلافا للأقليات الأخرى في ميانمار، بما فيها الكاشين والكارين والكاريني وتشين شان، لا تعتبر مجموعة الروهينجيا جماعة عرقية مشروعة. وهذا يجعل الأمر أكثر خطورة. لذلك يجب على الحكومة منح الجنسية لهذه الأقلية المسلمة. واستنادا إلى ذلك يمكن للروهينجيا عن حقوقهم باعتبارهم مواطنين. لن تحظى مثل هذه الخطوة بشعبية، لكن من الصواب فعل ذلك.