منذ أن بدأ الكاتب الصحافي المعروف الأستاذ داود الشريان ببث حلقات برنامجه الأخير بعنوان «الثامنة مع داود» في قناة mbc بعد برنامجه «واجه الصحافة» من قبل على قناة «العربية»، كان واضحاً أن الصحافي المعروف بدأ يميل إلى ابتداع طريقة جديدة في نقد ومساءلة الكثير من القضايا التي تهم المواطن السعودي تحديدا. ولأن طبيعة البرنامج هي من البرامج اليومية التي تحتاج إلى متابعات متواصلة من ناحية، وإلى فضاء يشمل عشرات بل مئات القضايا المتصلة بالمواطنين وأجهزة الحكومة، من ناحية ثانية فإن ما تكشف عن حلقات البرنامج التي تم بثها، وما خلفته من ردود أفعال كثيرة في الأوساط الاجتماعية والإعلامية يدفعنا إلى محاولة التأمل في طبيعة هذا الدور الجديد الذي تميز بسقف عال من الجرأة والمواجهة في ساحة الإعلام المرئي بعد سنوات طويلة في تجربته مع الإعلام المقروء. بداية لا بد من الإشارة إلى أن مستوى المعالجة في هذه القضايا التي يطرحها داود الشريان هو مستوى ربما كان من الضرورة بمكان أن يكون بتلك الجرأة والمواجهة، فالنقد الجريء في ضوء الكثير من ملاحظات التقصير على أداء بعض وزارات الحكومة وأجهزة الدولة، والمؤسسات العامة والخاصة، لا بد من أن يكون حاضراً في مواجهة أي تقصير يلحق الأذى بالمواطنين، أو يعطل مصالحهم، لاسيما في بعض جوانب حياتهم الصحية والعلاجية أو يلحق الضرر بالكثير من فئات المجتمع ذات الاحتياجات الخاصة مثل المعاقين أو المرضى، أو فئة الأطفال والنساء والقضايا المتصلة بهم؛ فكل ذلك من الأهمية بمكان لفت النظر إليه وبقوة من خلال مثل هذه البرامج الهامة. ومن الطبيعي - نظرا إلى مستوى الجرأة التي في البرنامج - أن يرى البعض في أسلوب داود الشريان بعض الحدة، أو اللوم المتواصل للمسؤولين، وبطريقة ربما ظنها كثيرون تنطوي على قسوة ما. بيد أن الحقيقة التي لا ينتبه لها كثير من المشاهدين قبل إطلاق الأحكام هي وجوب التأمل في طبيعة وحقيقة المناصب الذي يتقلدها المسؤولون. فهذه مناصب ذات طبيعة عامة أي مناصب متصلة بمصالح المواطنين وحقوقهم. وفي هذه الحال فإن النقد الحاد - مادام في حدود الشأن العام - هو نقد مشروع، خصوصاً في ظل وجود معطيات وحيثيات تشير إلى جوانب ذلك التقصير في عمل الجهة أو الهيئة ذات الصلة. وما يقوم به الأستاذ داود من خلال هذه الحيثيات هو فعل يقع في صميم مسؤولية المواطنة وواجباتها. فالمواطنة تقتضي من كل مواطن حريص على مصلحة الوطن أن يمارس حقوقه المشروعة حيثما كان وفي أي موقع لاسيما في مجال الإعلام الذي هو أحد أهم المجالات ذات التأثير الأكبر في صياغة وصناعة الرأي العام. ثم إن طبيعة النقد المتصلة بالهيئات والدوائر العامة، أو الموجه إلى ذوي المناصب العامة في إدارة شئون المواطنين لا ينبغي أن ينظر إليه من قبل ضيوف البرنامج أو المسؤولين بصورة شخصية؛ فإن ذلك أسوأ ما يمكن أن يؤدي إليه سوء الفهم نتيجة للخلط بين ما هو عام وما هو خاص. فطبيعة ذلك النقد هو نقد اعتباري أي للجهة الاعتبارية الممثلة في مسمى صاحب الوظيفة، وليس نقدا ذاتيا في شخصه. بدليل أن ذلك المسؤول إذا ترك وظيفته العامة وخلفه شخص آخر ثم وقع في نفس أخطاءه فإن النقد أيضا سيتوجه إليه. ولهذا فإن تقبل المسؤولين لسهام النقد الموضوعي في مثل هذه البرامج، وعدم النظر إليها من زاوية شخصية سيؤدي إلى إشاعة مفهوم النقد وممارسته كأحد واجبات المواطنة، وهذا بدوره سيزيد من تحسن مؤشرات الأداء في الجهات والمؤسسات الحكومية التي طالها النقد، كما أنه سيزيد من وعي المواطنين، وتنمية حس النقد المسؤول في ممارساتهم. لقد استلهم الأستاذ داود الشريان بذكاء توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في جعل مصلحة المواطن السعودي خطا أحمر لا يمكن المساومة عليه أبدا. وهذا التوجه الذي يقوده الملك عبد الله هو ما سيسمح برفع سقف النقد في كل ما يتصل بمصالح المواطنين في أجهزة الدولة، ومؤسسات الحكومة. فطالما كان الملك حفظه الله يردد دائما أنه يعمل من أجل أبناء وطنه، عبر الكثير من تصريحاته القوية والمعبرة عن حبه العميق لهذا الوطن، وعن حرصه الكبير على مصلحة المواطن. ظل الصحافي الكبير داود الشريان يساهم من خلال أداء دوره كمواطن وكإعلامي في الكثير من المنابر الإعلامية حول الكثير من القضايا التي كتب فيها ناقدا ومحللا إلى أن تبوأ هذا الدور الريادي الجديد في برنامجه الناجح (الثامنة). ولعله بذلك الدور سيكون سببا في حفز زملائه الإعلاميين على تقديم برامج مماثلة، لتؤدي دورها المنشود من أجل تعميق ثقافة النقد المسؤول من أجل الوطن والمواطن. محام ومستشار [email protected]