المراقب لحراك المحاور الإقليمية لا يغفل الاصطفافات التي انعكست في الواقع السياسي المتصل بقضايا المنطقة العربية، من القضية الفلسطينية، إلى لبنان، إلى العراق إلى السودان، ويأتي في مقدم نشاط هذه المحاور الحراك الإيراني ضمن الكثير من الأجندات السياسية التي يتم تسويقها عبر هذه المحاور، ولا ترتبط التحركات الإيرانية عادة باتجاهات محدودة، بل تستفيد من توظيف وتسويق شعارات للدفع بقضايا الواقع العربي إلى تخوم وسياقات تبدو دائماً كرهانات تحدي، تتعدى طبيعة الواقع السياسي وإمكانات النظام الإقليمي العربي، نتيجة للكثير من التعقيدات التي تتصل باستراتيجيات المنطقة العربية وملفاتها الساخنة، والمصالح الحيوية للقوى الكبرى. ما تسوقه إيران عربياً عبر حلفائها، تعرف تماماً أن الكثير من المعادلات الدولية وموازين القوى، تجعل من تحقيقه أمراً يكاد يكون شبه مستحيل في ظل الواقع العربي، ذلك أن إيران في سياساتها الحيوية كدولة تضع حسابات سياسية دقيقة وتهتم بسياسة عقلانية واضحة وقائمة على مصالحها الاستراتيجية، الأمر الذي يعني أن ازدواجية السياسة الإيرانية في المنطقة العربية لا تخلو من أجندة دعائية تسوق كهدف لغايات بعيدة عن سياسة حُسن الجوار والمصالح الإسلامية المشتركة مع الدول العربية المجاورة، وعلى رغم أن هناك مصالح متقاطعة بين جميع دول المنطقة، وعلى رغم بعض الاختلافات في سياساتها، إلا أن هذه الدول تبني مصالحها عادة على علاقاتها الاستراتيجية تجاه بعض المحاور الدولية المؤثرة، وهنا سنجد أن علاقة السعودية مع الولاياتالمتحدة مثلاً هي علاقة استراتيجية تاريخية، نشأت منذ أن كانت الولاياتالمتحدة دولة من إحدى الدول الكبرى في الأربعينات من القرن العشرين، وبالتأكيد أن مثل هذه العلاقة التاريخية لا يمكن تفسيرها فقط على ضوء مفهوم الهيمنة الذي انفردت به أميركا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ولا سيما في عهد إدارة الرئيس بوش، ذلك أن ما تسوقه بعض القوى الإقليمية من شعارات إسلامية، كما تفعل إيران، لا يمكن أن يصرف إلا في بعض الأوساط والهيئات والحركات في المنطقة العربية، التي تستجيب لتلك الشعارات المؤدلجة من دون أي انتباه للمفارقة في المعنى السياسي، فالسياسة لا تعرف الشعارات وإنما ترتبط بالمصالح وهذه بطبيعتها متغيرة. إيران تسوق تلك الشعارات كمبادئ إسلامية في المنطقة العربية وتروجها بين الكثير من حركات المنطقة في موازاة مصالح أساسية مستترة تستخدمها كأوراق ضغط من أجل كسب النفوذ في المنطقة العربية من ناحية، ومن أجل تحسين شروطها في المفاوضات مع أميركا بخصوص برنامجها النووي، وهنا سنجد أن نظرة إيران لأميركا بخصوص برنامجها النووي ونفوذها في المنطقة تختلف عن تلك النظرة التي تسوقها في المنطقة العربية ولدى بعض الحركات والتنظيمات السياسية فيها، وهذا بالضبط ما يفسر تلك الازدواجية التي تعكس حقيقة الحراك الإيراني، ولعل في تصريحات المسؤول الإيراني علي رفسنجاني لإحدى المحطات الإخبارية العربية بخصوص مساعدة إيران لأميركا في التخلص من نظام طالبان الأفغاني ما يفسر لنا الوجه البراغماتي للسياسة الإيرانية، وهو غير القناع المتشدد الذي تسوقه في المنطقة العربية عبر الكثير من الشعارات. وازدواجية إيران لا تقف عند حدود السياسات والشعارات فقط، بل تبدو أحياناً في تصريحات غريبة وغير مسؤولة حيال سيادة بعض الدول الخليجية، كتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين حول مملكة البحرين قبل شهور وهو ما أدى إلى تصريحات قوية من المملكة العربية السعودية تستهجن فيها ذلك الأسلوب الغريب بخصوص سيادة دولة حرة وعضو في الأممالمتحدة، ولقد كان لتلك التصريحات ردود فعل قوية في المملكة المغربية وتزامنت مع استياء شديد من نشاط إيراني داخل المغرب بهدف نشر مذهبي يؤدي إلى تهديد وحدة المذهب السني المالكي في المغرب، الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. وعلى رغم التصريحات وسياسات الشد والجذب في اختبار ضغط التصريحات الإيرانية، التي تحجم أحياناً عن التمادي فيها، إلا أن المراقب لجوهر السياسة الإيرانية في المنطقة العربية لا يخطئ استراتيجية إيرانية تحاول باستمرار الاستفادة من تناقضات الوضع العربي لمصلحة سياساتها في المنطقة، ولعل في زيارة لاريجاني إلى الخرطوم التي تزامنت مع زيارات وفود لحركة حماس تضامناً مع الرئيس السوداني عمر البشير لا تخلو من حسابات المحاور التي تلعب عليه إيران، فقد جاءت زيارة لاريجاني في الوقت الذي رفضت فيه الخرطوم مبادرة مصر من أجل عقد مؤتمر دولي لدارفور، والأفكار التي عرضها الأمين العام لجامعة العربية عمرو موسى بخصوص الخروج من مأزق دارفور. لا يمكن لأي سياسات إقليمية تهدف إلى أمن المنطقة أن تغفل ضرورة التفاهم والتعاون الإقليمي بين دول الشرق الأوسط، لا سيما الدول العربية مع إيران وتركيا، لكن من دواعي وأسباب صحة هذا التعاون بين دول المنطقة أن تكون العلاقات مبنية على احترام الدول لبعضها البعض وتفهمها لمصالحها وأمنها، ولعل هذا ما عبّر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل حين صرح ذات مرة قائلاً: «التأييد الإيراني لقضايانا يجب أن يكون عبر البوابة الشرعية العربية». [email protected]