تشهد العلاقات السعودية - المصرية مواقف عدة تؤكد جميعها أن التقارب بين الدولتين ليس رغبة بل ضرورة يفرضها المسار الطبيعي للتاريخ، إذ شاءت الأقدار أن يكون أول سفير للسعودية يبعثه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى الخارج وتحديداً إلى بريطانيا مصرياً من حي «بولاق - وسط القاهرة» وذلك في العام 1930 وكان حافظ وهبة - رحمه الله - الذي عوّل عليه الملك عبدالعزيز كثيراً في تقوية العلاقات السعودية مع بريطانيا أكبر وأهم دولة آنذاك، ليقود أول مفوضية سعودية قبل أن تتحول إلى سفارة في العام 1948 ويظل سفيراً بها مدة 30 عاماً طوال حياة الملك عبدالعزيز. التاريخ ذاته يؤكد فرضية العلاقات السعودية - المصرية، كاشفاً عن مفاجأة أن من قام بتصميم «العلم السعودي» الذي حرص على أن يجعله الرمز الدولي الوحيد في العالم الذي لا يتم تنكيسه لأي سبب كان هو ذاته المصري المولود في حي شعبي فقير وسط القاهرة حافظ وهبة، ومازال العلم السعودي يرفرف في أنحاء العالم بشكله المعروف «مستطيلاً عرضه يساوي ثلثي طوله، أرضيته خضراء وتتوسطه عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله بخط الثلث، تحتها سيف عربي تتجه قبضته نحو سارية العلم». إن العلاقات السعودية - المصرية خصوصاً في الأوقات التي تحاول فيها المنطقة العربية النهوض من كبواتها هي علاقات «حتمية» قائمة على الثقة واحترام الآخر، يعكس ذلك حجم البناء السعودي الضخم الذي تحتضنه القاهرة باعتزاز في واحدة من أجمل جغرافياتها على شاطئ النيل، المقام على مساحة 45 ألف متر مربع، ويجمع في جنباته الخدمات القنصلية والملحقيات السعودية والمكاتب الديبلوماسية السعودية كافة في مكان واحد، ويعد أكبر مبنى للديبلوماسية السعودية في العالم. المبنى الجديد هو محور حديث الصالونات والمقاهي المصرية على حد سواء، فعلى مقربة منه وبعيداً عن ازدحام الافتتاح والقبضة الأمنية الشديدة حوله، سمعت تمتمة من سيدة مسنّة تحمل الفرح في يدها هامسة وعينها شاخصة على المبنى «ما شاء الله... مبروك يا حجاج»، ألقت تهنئتها وغابت وسط صخب شوارع القاهرة، كأنها أرادت أن تختزل مشاعر العابرين في مفرداتها البسيطة والعميقة في آن. المبنى الجديد للسفارة، الذي وصفه وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال المشاركة في افتتاحه أول من أمس ب «جوهرة معمارية حضارية حديثة»، يضم برجاً إدارياً مكوناً من 24 طابقاً بارتفاع 84 متراً، ويعلوه مهبط للطائرات المروحية، وبرجاً سكنياً لكبار الموظفين ومديري المكاتب بالسفارة يتكون من 17 طابقاً بارتفاع 60 متراً، فيما يتكون مبنى الخدمات العامة من طابقين على مسطّح ضخم من أرض السفارة. المفارقة التاريخية في المبنى الجديد هي أن الأرض المقام عليها تقع في المكان ذاته الذي احتضن ثاني مقر للسفارة السعودية في القاهرة عام 1947، إذ كان أول مقر لأول بعثة ديبلوماسية سعودية في مصر بعد التوقيع على معاهدة الصداقة بين البلدين في العام 1926، في شارع القصر العيني (وسط القاهرة) عام 1936، ليعيد ربما غير عامد الألق القديم لما كانت عليه القاهرة في السابق.