تمكنت جهود القوى الأمنية والجيش والأطراف السياسيين من حصر أضرار انفلات الغرائز المذهبية الناجمة عن ذبح «داعش» الجندي في الجيش اللبناني عباس مدلج السبت الماضي، وتطويق الجانب المتعلق بالخطف على الهوية منها الذي حصل أول من أمس، من دون أن تنجح في معالجة الجانب العنصري المتعلق بالتضييق على النازحين السوريين، الذين استمروا بالخضوع للتهديدات والإنذارات بالطرد في غير منطقة لجأوا إليها، بقاعاً وجنوباً وفي محيط العاصمة بيروت. وأفرج أهالي بلدة سعدنايل البقاعية نتيجة هذه الجهود عن 7 مواطنين شيعة أمس كانوا احتجزوهم أول من أمس رداً على اختطاف عصابة مسلحة تمتهن الخطف من أجل فدية أحد أبناء البلدة، لكنهم استمروا في قطع طريق شتورا - زحلة ونصبوا خيمة وسط الطريق في اعتصام مفتوح إلى حين عودة ابن البلدة أيمن صوان. (للمزيد) وإذ واصل الجيش اللبناني خطواته للتفتيش عن صوان وإطلاق سراحه من خاطفيه، بعدما داهم منازل المشتبه بهم في تنفيذ عملية الخطف في جرود بلدة بريتال على طريق بعلبك، فأوقف بعض أقاربهم، نشطت الجهود من أجل الإفراج عن ثلاثة من بلدة عرسال (سنة) كانوا خطفوا أول من أمس أيضاً. فأوعز رئيس البرلمان نبيه بري الموجود في الخارج إلى قيادات في حركة «أمل» من أجل بذل الجهود لدى العائلات التي يعتقد أنها خطفتهم. وناشد زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بيان «جميع اللبنانيين، خصوصاً في البقاع وطرابلس وعكار، التحلي بالصبر والهدوء والحكمة وغض النظر عن أي أذى يمكن أن يصيبهم فداء لسلامة لبنان»، معتبراً أن «الساعات الماضية كانت سوداء لا تمت بصلة إلى قواعد الحياة المشتركة». وإذ انتقد الخطف والخطف المضاد، رأى أن «حماية بلدنا من الانزلاق إلى الفتنة هي بأيدينا نحن السنّة والشيعة، الذين يمتلكون قرار إخماد الفتنة في مهدها ورفض استنساخ الحالتين السورية والعراقية»، ودعا إلى «التضامن وراء قرار الدولة في معالجة قضية العسكريين المخطوفين»، مؤكداً «الثقة بالحكومة وبرئيسها». وقالت مصادر رسمية إن رئيس الحكومة تمام سلام أجرى سلسلة اتصالات مع القوى السياسية المعنية بضبط الشارع، منعاً لتكرار عمليات الخطف وكي تمارس نفوذها في المناطق التي لها ثقل فيها على المجموعات المسلحة كي تنكفئ من الشارع. وكانت ذيول عمليات الخطف التي حصلت ليل الأحد والإثنين تسببت بضعف حركة السير على الطريق الدولية بين الهرمل وبعلبك وداخل بعلبك وعلى الطريق بين بعلبك وشتورا طوال نهار أمس، فيما حولت القوى الأمنية السير في بعض القرى لتفادي مرور السيارات من منطقة سعدنايل... على رغم تعهد أهالي الأخيرة بعدم احتجاز أي إنسان يمر فيها. وكان الجيش تمكن من السيطرة على موقع تلة الحصن الذي يقع بين بلدة عرسال وجرودها، والذي يشكل منفذاً للمسلحين السوريين المتمركزين في الجرود إلى البلدة. وعلى صعيد التعرض للنازحين السوريين، تواصلت في الساعات الماضية أشكال التعدي على بعض مخيماتهم، فألقيت قنبلة قرب بعض الخيم في رياق، فيما أطلقت النار على مخيم آخر في البقاع لإجبار النازحين على المغادرة. وفي الجنوب، شهدت منطقة حاصبيا تحركاً منظماً أكثر على هذا الصعيد، باجتماع بلديات المنطقة واتخاذ تدابير منع تجول السوريين على الدراجات النارية ليلاً، ووقف استخدامها في بعض القرى نهائياً، كما دعت بيانات وُزعت في منطقة البيسارية النازحين إلى مغادرة البلدة خلال أسبوع، وكان الأمر نفسه حصل في منطقة برج حمود وبعض ضواحي بيروت... حيث تعرض النازحون لاعتداءات بالضرب. ومع استمرار أجواء الحزن على ذبح الجندي مدلج وقبله الجندي علي السيد من قبل «داعش»، طرأ تطور إيجابي طفيف ليل الإثنين- الثلثاء على ملف العسكريين المحتجزين، تمثَّل بسماح جبهة «النصرة» لوالدة الجندي المحتجز لديها جورج خوري وشقيقته بزيارته فجر أمس في المقلب السوري من جرود بلدة عرسال نتيجة وساطة الشيخ مصطفى الحجيري، الذي سبق أن سعى مع «النصرة» للإفراج عن العسكريين، قبل أن تدخل الوساطة القطرية على خط التوسط مع «داعش» و «النصرة». وعلمت «الحياة» أن نبيهة (الوالدة) وماري خوري (شقيقته) التقتا جورج لمدة ساعة برفقة الشيخ الحجيري في منطقة تقع بين الجرود وبين مواقع تمركز «النصرة»، وسمع الثلاثة من قادة «النصرة» كلاماً إيجابياً، إذ قال لهم أحدهم: «إن شاء الله خير. ونحن ننتظر تجاوب الحكومة مع التبادل. ونحن مستعدون لذلك». ومساء التقى الرئيس سلام وفداً من أهالي العسكريين المخطوفين، في حضور أعضاء من خلية الأزمة التي أناط مجلس الوزراء بها متابعة الملف والمفاوضات لإخلاء هؤلاء. وأعقب ذلك اجتماع لخلية الأزمة مع قادة الأجهزة الأمنية. وقالت مصادر مطلعة إن الحكومة وضعت أجوبة على المطالب التي نقلها الموفد القطري الذي كان غادر بعد لقائه «النصرة» و «داعش». وينتظر أن يحمل الأجوبة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى الدوحة خلال الساعات المقبلة. وأكد إبراهيم للإعلاميين في السرايا الحكومية، أن التواصل قائم بينه وبين الجانب القطري المولج بالملف. وأكدت مصادر رسمية أن القناة القطرية باتت الوحيدة المعتمدة للتفاوض.