طرأ أمس، تطوران أساسيان على ملف العسكريين المخطوفين لدى المسلحين السوريين الذين ينتمون إلى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» في جرود عرسال، تمثل الأول بوساطة قطرية عبر وفد عسكري انتقل إلى عرسال أول من أمس، ومن ثم إلى جرودها وأفلح في لقاء أمير «النصرة» مساء الليلة نفسها واستمع إلى مطالب الجبهة لإطلاق المخطوفين لديها، فيما جرت محاولات للتواصل مع «داعش». وتزامن هذا التحرك مع بث «جبهة النصرة» شريطاً مصوراً جديداً تحت عنوان «من سيدفع الثمن؟» مدته27 دقيقة، يتضمن أربع رسائل ويظهر فيه العسكريون الذين تحتجزهم الجبهة، ويتوجه إلى الطوائف في لبنان لعدم مناصرة «حزب الله» في قتاله في سورية. والتقى الوفد القطري الذي يضم ضابطاً أو اثنين في جرود عرسال أمير «جبهة النصرة» أبو مالك التلّي ودام الاجتماع ساعات. وذكرت مصادر مواكبة لعملية التفاوض ل»الحياة» أن الوفد لم يحمل أي رسالة إلى الخاطفين إنما اكتفى بالاستماع إلى مطالب الجبهة من أجل إطلاق العسكريين لديها. وأشارت إلى أن الشروط التي سلمها أمير «النصرة» تصر على المطلب المحوري وهو انسحاب «حزب الله» من القتال في سورية، لكن المطالب المتعلقة بإطلاق موقوفين من سجن رومية ارتفع سقفها وربما أصبحت تشمل 15 موقوفاً بعدما كان الأمر بداية يقتصر على 5 موقوفين. وأكد المصدر أن «النصرة لم تطرح خلال اللقاء ولا في كل المفاوضات السابقة معها مسألة المال مقابل إطلاق العسكريين». وحاول الوفد القطري وحتى عصر أمس، تدبير لقاء مع مسلحي «داعش» أو أحد قياداته، لكن الأمر لم يفلح، وتردد أن الوفد القطري اقترح الشيخ مصطفى الحجيري ليكون وسيطاً بينه وبين «داعش» إلا أن التنظيم رفض الأمر، بل إن الحجيري أكد للموفد القطري أنه بعيد كل البعد عن هذا التنظيم. العسكريون لدى «النصرة» بخير وكانت شقيقة العسكري جورج خوري طلبت التوجه إلى عرسال ومنها إلى الجرود في محاولة للاطمئنان إلى شقيقها المحتجز لدى هذه الجبهة. وتدخل الشيخ الحجيري وسيطاً لتأمين هذا اللقاء من منطلق إنساني، وجرى البحث في تفاصيل معينة إلا أن أموراً أمنية حالت دون تحقيق هذه الغاية، بحسب مصادر مواكبة لهذه المحاولة. وكان الشيخ الحجيري الذي انتقل قبل أيام إلى الجرود وغاب عن السمع لأكثر من 24 ساعة، في وساطة مع «جبهة النصرة» بتكليف من الجانب اللبناني، طمأن في تصريح إلى «الحياة» إلى أن العسكريين لدى الجبهة بخير وتجري معاملتهم معاملة إنسانية بالحد الأدنى. وأكد «أن هؤلاء العسكريين لا يعرفون شيئاً عن نحر تنظيم «داعش» لزميلهم الرقيب علي أحمد علي السيد ولا مصلحة للجبهة في إخبارهم بهذا الأمر». ورفض التأكيد ما إذا كان قابل العسكريين مكتفياً بالقول: «أستطيع القول إن أمورهم بخير». وتوجهت «النصرة» في الشريط المصور الذي بث قبل ظهر أمس، بنداء إلى «أهل السنة في لبنان»، وفيه: «أنتم منا ونحن منكم. أنصروا أهلكم في سورية وكونوا عوناً لهم وأدركوا أنفسكم قبل أن تدفعوا أنتم الثمن بتورطكم بحرب في صف الجيش اللبناني ضد إخوانكم المجاهدين أو تدفعوا الثمن كما دفعه قبلكم أهل السنة في سورية بتسلط النصيرية (العلويين) والرافضة (الشيعة) عليكم». وكان لافتاً أن التسجيل كان لتسعة عسكريين تحدّثوا فيه عن رفضهم دفع ثمن تدخل «حزب الله» في سورية، وهم يجلسون أرضاً وفي الخلفية بطانيات وراية الجبهة. كما تضمن الشريط مشهداً للعسكريين المسيحيين الثلاثة وحدهم يتحدثون فيه عن «حزب الله». وتناوب العسكريون على الكلام فقال أحدهم: «قتلوا الناس الأبرياء في المخيمات في عرسال، الشباب يطلبون هدنة من الجيش فيوافق وإذ تطلع الصواريخ من اللبوة على المخيمات في عرسال. قتلوا أطفالاً ونساء». وقال آخر: «المعركة التي حصلت في عرسال من قتل فيها وذبح هم أطفال ونساء، كان هناك 7 شهداء من «جبهة النصرة» فقط في المعركة التي عمل فيها بطولة حزب الله وطلعنا نحن كبش محرقة»، وقال آخر: «يقتل (حزب الله) أولاده أولاً ثم أطفال السنة في سورية ونساء ويغتصبونهم ويقولون إنهم يذهبون إلى سورية للتحرير إنهم لا يحررون شيئاً، كذابون». وقال آخر: «ليذكرني أحدكم، هل كان هناك شيء قبل القصير؟ بس عندما دخل حزب الله إلى القصير وصار في تفجيرات وضغط وقالوا سقطت القصير حصلت التفجيرات في الضاحية». وقال عسكري آخر: «طغيان حزب الله في سورية الذي يقوم بأشنع عمليات قتل وتعذيب للنساء والأطفال الأبرياء وأسأل سؤال هنا لحسن نصر الله هل هذه من شيم الإسلام أنك تعين الطاغوت؟». كما تضمن الشريط مشاهد لأحد مخيمات النازحين السوريين في عرسال والنيران تندلع فيه. وتلا صوت بياناً خلال مرور المشاهد فيه: «كونوا عوناً لهم وأدركوا أنفسكم قبل أن تدفعوا أنتم الثمن بتورطكم في حرب في صف الجيش اللبناني ضدّ إخوانكم المجاهدين، أو تدفعوا الثمن كما دفعه قبلكم أهل السنة في سورية بتسلط النصيرية والرافضة عليكم». وتوجّه إلى الطوائف في لبنان كافة، بالقول: «إياكم ثمّ إياكم أن تنصروا حزب إيران فإن سكوتكم عن جرائمه قد يُحسَب عليكم فتدفعوا أنتم الثمن فاحذروا غضبة المظلوم». وخاطب البيان الشيعة، بالقول: «إن معركتنا معكم مستمرة طالما أنكم تتطاولون على أمهات المؤمنين وتسبّون الصحابة الكرام وإن مساندتكم لهذا الحزب المجرم ستجعلكم تدفعون الثمن مضاعفاً». بيان «داعش» وسجل بعد ظهر أمس، ظهور بيان يحمل توقيع «الدولة الإسلامية - ولاية دمشق» على موقع «تويتر» على حساب يعود إلى شخص اسمه «هشام الشبواني»، إذ أن لا حساب للتنظيم المذكور على هذا الموقع بعدما ألغته إدارة الموقع بعد واقعة ذبح العسكري اللبناني علي السيد. وجاء في البيان الذي اعترض على الوساطة القطرية: «بعد إعلان الدولة الإسلامية - ولاية دمشق- قاطع القلمون عن قبول المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة اللبنانية في ما يخص الأسرى العسكريين لدينا، تفاجأنا بالطرف القطري الموكل إليه التفاوض من قبل الحكومة اللبنانية بأنهم يراوغون بمقابلة الجهات المختصة بالتفاوض من قبل الدولة الإسلامية، وهو المسؤول المباشر عن عرقلة المفاوضات وعن دماء العسكريين والله من وراء القصد». أهالي العسكريين وكان وفد من أهالي العسكريين المخطوفين من الطائفة الدرزية زار عرسال والتقى الشيخ الحجيري ورئيس البلدية علي الحجيري، في حين انكفأ أهالي العسكريين عن قطع الطرق المؤدية إلى طرابلس وعكار بانتظار أن تحمل الوساطات أنباء إيجابية أو يصعدون تحركهم. وكان لافتاً أمس، انتقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الإيطالي السيناتور نيكولا لاتوري والسفير الإيطالي لدى لبنان جيوسيبي مورابيتو والمستشار الأول في السفارة الإيطالية ريكاردو زيمو إلى بلدة فنيدق في عكار حيث قدموا التعازي بالشهيد الرقيب علي السيد، في حضور النائبين خالد زهرمان وهادي حبيش وشخصيات. وأكد السيناتور لاتوري «وقوف إيطاليا إلى جانب لبنان»، معتبراً «أن الإرهاب هو ضد الإسلام وينبغي أن تكون هناك حركة موحدة من قبل الاتحاد الأوروبي من أجل محاربة الإرهاب»، مؤكداً «دعم الجيش خصوصاً في مواجهة الإرهاب». وقال: «نحن قريبون جداً من عائلات المخطوفين، ونتابع عن كثب هذا الملف وكل ما تقوم به الدولة اللبنانية ومستعدون لتقديم أي مساهمة لإنهاء هذا الملف». وشكر زهرمان باسمه وباسم عائلة الشهيد إيطاليا والسيناتور لاتوري ووفد السفارة على عاطفتهم، مطالباً إيطاليا والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بالوقوف مع لبنان في محنته ومساعدته من خلال دعم الأجهزة الأمنية. وقال والد الشهيد المختار احمد السيد للوفد الإيطالي: «نأمل بأن يكون لديكم إمكانات للعمل على إطلاق المخطوفين العسكريين الباقين». عرسال وعاشت عرسال مجدداً هواجس الخطف ودخول المسلحين إليها، على أن فاعلياتها اعتبرت أن ما يسرب إلى الإعلام مبالغ فيه. ونفت أي وجود مسلّح في البلدة.وأشارت مصادر في البلدة إلى أن الشاب كايد غدادة الذي قيل إنه خطف من قبل مسلحين دخلوا إلى البلدة واقتادوه إلى الجرود، «لا يزال على قيد الحياة ولا صحة للمعلومات عن أنه قتل أو جرت تصفيته». وقالت المصادر إن خطفه جاء على خلفية أنه يسرب معلومات إلى «حزب الله» عن تحركات المسلحين السوريين. والشاب كايد هو من وادي حميد في خراج عرسال. ولم يتبلغ أهله أي نبأ عن مقتله. واعتبرت هذه المصادر أن ما يجري في عرسال يجري مثله في مناطق أخرى خلافات لبنانية - لبنانية ولبنانية - سورية وهناك تهويل لوصم عرسال بحال الفوضى. وأكدت المصادر أن كل من كان على علاقة ب«حزب الله» غادر عرسال منذ الاشتباكات التي حصلت بين المسلحين السوريين وبين الجيش اللبناني. وأن المسلحين الذين اختطفوا ربيع الحجيري على الخلفية نفسها تركوه بعدما تبين أن لا علاقة له بالتهمة وأن شقيقه الشيخ حسين الحجيري الذي قيل إنه هو المطلوب لا يزال في البلدة وهو كان بعثياً ولا دور حالياً يلعبه في هذه المعمعة بل إن لديه أولاداً يناصرون تيار المستقبل». وأكدت المصادر أن من يدخل البلدة من المسلحين ليسوا من «داعش» وإنما من «النصرة». لا مسلحين في بسكنتا وفي السياق، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر في تصريح «ان لا وجود لعناصر مسلحة تابعة ل«داعش» في جرود بسكنتا وصنين»، جازماً ب«أن الخبر مجرد إشاعات لا أكثر، بهدف زرع البلبلة والقلق في نفوس أبناء المنطقة». واعلنت قيادة الجيش - مديرية التوجيه لاحقاً ان «اجراءات الجيش في هذه المناطق تدخل في اطار الامن الوقائي». وعثر مساء أول من أمس على الشاب سليمان أبو حمرا (26 سنة) مذبوحاً في منزله في بلدة العبادية ووالدته هلا حسان مصابة بجروح متعددة نتيجة الاعتداء الذي تعرضا له، وقبضت القوى الأمنية على نازحين سوريين يشتبه بأنهما نفذا الجريمة بدافع السرقة. وأدت الجريمة إلى غليان شعبي في العبادية والبلدات المجاورة كاد يؤدي إلى انفلات الأمور لولا تدخل الجيش والقوى الأمنية والحزب التقدمي الاشتراكي وبلدية العبادية، إذ انطلقت دعوات عبر مكبرات الصوت تطالب بترحيل النازحين السوريين من المنطقة. وعقد لقاء في بيت عم المغدور، ومن ثم عقد لقاء آخر فجراً في قاعة العبادية، وانتهى إلى شجب «الجريمة وضرورة وضعها ضمن إطارها الخاص والفردي، وعدم تعميم هذا الحادث ليطاول النازحين الأبرياء خصوصاً أن معظمهم مظلومون وهاربون من القتل والظلم والجور، وتقضي عاداتنا وتقاليدنا بحماية من يلجأ إلينا، فكيف إذا كان مظلوماً».