أثار القرض المرتقب من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 بليون دولار حراكاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً على صعد كثيرة، بما فيها القضاء. وأجّلت محكمة القضاء الإداري الثلثاء النظر في الدعوى المطالبة بإلزام الرئيس المصري محمد مرسي الكشف عن شروط القرض، في دعوى رفعها خالد علي، وهو ناشط حقوقي ومرشح رئاسي سابق. ورفع متظاهرون من ممثلي أحزاب وقوى سياسية مدنية وليبيرالية وعدد من المواطنين العاديين غير المسيّسين الذين قال أحدهم إنهم «يشتمّون رائحة مزيد من الفقر قد ينجم من القرض»، في شوارع القاهرة الاثنين لافتات تحذيرية تحمل رمز الدولار مع عظمتين بشريتين معكوسَتين (علامة الخطر) وعبارة «لا لقرض الإفقار»، وهتفوا: «الشعب يريد معرفة شروط القرض». وإلى الهتافات في الشارع، أضيفت رسائل مكتوبة من مجموعات من المجتمع المدني والأحزاب السياسية الموجهة إلى كل من المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيس الوزراء المصري هشام قنديل، أعربت عن القلق من القرض المرتقب. وجاء في إحدى الرسائل أن «الشفافية غابت عن المفاوضات الخاصة بشروط الاتفاق على القرض، التي استمرت في غياب مجلس نواب منتخب، ما يعطي الرئيس المصري سلطة تشريعية كاملة»، الأمر الذي اعتبرته القوى «انتهاكاً للمبدأ الديموقراطي المتعلق بفصل السلطات وإشراف البرلمان على القرارات التنفيذية في البلاد». ورأت القوى المَدنية أن الاستشارة الجماهيرية التي قامت بها الحكومة، أُجريت في شكل إقصائي ولم تمكّن القوى والتيارات المختلفة من المشاركة فيها. وانتقدت هذه القوى عدم إفصاح الحكومة عن كيفية مساهمة القرض في الخطة الاقتصادية الوطنية. وانتهت الرسالة بالتعبير عن قلق بالغ من أن «القرض المحتمل والسياسات المتصلة به تشكل استمراراً للسياسات الاقتصادية للنظام السابق، وتفاقم الديون، محذّرة من أن إجراءات التقشّف المرتبطة بالقرض، بما في ذلك خفض الدعم وسياسات خفض العجز الأخرى، ستزيد من الحرمان الاقتصادي لشريحة كبيرة من الشعب المصري». وطالبت بتجميد المفاوضات الحالية التي لا تراعي مصلحة قواعد المجتمع المصري فوراً. واللافت أن مليونية «تطبيق الشريعة» الجمعة الماضي، والتي وصف قادتها قروض الصندوق قبل أشهر ب «الربا الحرام»، لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى القرض، كما أن الأصوات الإخوانية المعارضة له لأنه «قرض لا يجوز لهيمنة الغرب»، تحوّلت إلى سرد لمنافع القرض وشرح محاسن التعاون مع صندوق النقد. ويذكر ان ما يعتبره البعض شروطاً مُجحفة غير معلن عنها، يعتبره آخرون برنامجاً ضرورياً للإصلاح الاقتصادي يتواءم ومتطلبات الواقع الاقتصادي الصعب ويتوافق و «شروط» البيئة الاقتصادية التي يبحث عنها الصندوق قبل تقديم القرض، علماً أن الولاياتالمتحدة هي من يساهم بالنصيب الأكبر من تمويل الصندوق (17.6 في المئة)، وهي صاحبة الكتلة التصويتية الأكبر فيه. وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة محمد العسعس: «لا يوجد شيء اسمه قرض من دون شروط، إلا أن هذا لا يعني أن مصر ليست في حاجة إلى هذا القرض، لأن حصولها عليه يعني رسالة طمأنة للقروض الموعودة من دول الخليج ومؤسسات تمويل أخرى، إضافة إلى أنه يعني التزاماً مباشراً وحقيقياً في إجراء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الضرورية التي كانت تتجنبها البلاد لسنوات طويلة». وتابع أن الولاياتالمتحدة قد تعتبر مثل هذا القرض نوعاً غير مباشر من كسب الودّ السياسي لمصر. ورأى أستاذ العلاقات الخارجية في الجامعة الأميركية في القاهرة بهجت قرني ان القرض «شهادة حسن سير وسلوك»، مؤكداً أن اللغة الديبلوماسية قد تحتم على الصندوق القول إن «القرض غير مشروط، لكنه بالطبع مشروط، حتى أن المصريين يلقبونه شعبياً بصندوق البؤس الدولي». ولفت العسعس في هذا الصدد إلى تجارب دول أخرى في «التخفيف من هول صدمة إجراءات التقشّف ورفع الدعم»، مثل إيران التي أمضت فترة طويلة في تحضير شعبها عبر نظام الكوبونات والشرائح وغيرها، وتركيا التي تعتبر الدولة الأكثر اقتراضاً من صندوق النقد، والتي لم يتبق أمامها سوى شهرين لتسدد ما اقترضته سابقاً، بفضل سياسات إصلاح اقتصادية جذرية. وأضاف: «علينا أن نتوقف عن علاج السرطان بالأسبرين». وكان النائب الأول لمدير صندوق النقد ديفيد ليبتون عرض في ندوة عقدت في لندن قبل أيام ست ركائز اقتصادية لدول «الربيع العربي»، منها «تركيز أكبر على التجارة» و«تحسين مناخ العمل»، وضرب مثلاً بمصر حيث يعرقل عمل القطاع الخاص حالياً ما لا يقل عن 36 ألفاً من الضوابط والأحكام المنظمة، و«دعم وتقوية سوق العمل»، و«تحسين التعليم»، و«تحسين سبل الحصول على تمويل»، خصوصاً للشركات والمشاريع الصغيرة، و«استبدال نظام الدعم غير الموجّه بشبكة أمان اجتماعي حديثة».